[الخوف والحب] (?)

ولذلك كان السَّلف يقدمون درجة الخوف عَلَى الشوق، كما روى ابن أبي الدُّنْيَا بإسناده عن واقد العابد مولى أم البنين قال: "قال لي رجل من العباد: ما رأيت القلوب بشيء أنقى جلاء منها بالخوف. قلت: فالشوق؟ قال: قد يشتاق وصدى الرين عَلَى قلبه".

قال: والرين يعني الذنب عَلَى الذنب. وكذلك كانت حالة العُلَمَاء الربانيين كالحسن وسفيان وأحمد وغيرهم، يظهر عليهم الخوف ولوازمه ويكثر كلامهم فيه ويقل كلامهم في المحبة وظهور آثارها عليهم أيضاً، حتى حذر طوائف من العُلَمَاء ممن يكثر دعوى الشوق والمحبة بغير خوف لما ظهر منهم من الشطح والدعاوي؛ بل والإباحة والحلول وغير ذلك من المفاسد، والله -سبحانه- أعلم.

ولهذا "كان أبو عبد الله بن الجلاء -وكان من كبار العارفين- إذا سئل عن المحبة قال: أنا ما لي وللكلام في المحبة، وأنا أريد أن أتعلم التوبة".

ويقال: إن أول من أظهر الكلام في المحبة والشوق وجمع الهمة وصفاء الفكر، وتكلم به عَلَى رؤس الناس: أبو حمزة الصوفي، وكان من أعيان العارفين أيضاً، وكان يجتمع بالإمام أحمد كثيرًا، وكان أحمد يسأله ويقول [له] (?): ما تقول يا صوفي؟ رضي الله عنهم أجمعين.

وكان عباد البصري بعد طبقة الحسن وأصحابه كعبد الواحد بن زيد وأصحابه عتبة وضيغم وغيرهما يظهر منهم المحبة كثيرًا مع شدة الخوف أيضاً وكذلك رابعة العدوية والفضيل وداود الطائي وغيرهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015