حتى جاءهم من الله موعود صادق اختص به العاملين له، والعالمين به دون من سواهم، فإذا سرك أن تسمع صفة الأبرار الأتقياء، فصفة هؤلاء فاستمع، وشمائلهم الطيبة فاتبع، وإياك يا سوار وبنيات الطريق والسلام".
وخرج أبو نعيم بإسناده عن الربيع بن برة، عن الحسن "في قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: 27] قال: النفس المؤمنة اطمأنت إِلَى الله واطمأن إليها، وأحبت لقاء الله وأحب لقاءها، ورضيت عن الله ورضي عنها، فأمر بقبض روحها، فغفر لها وأدخلها الجنة وجعلها من عباده الصالحين".
وروى ابن أبي الدُّنْيَا بإسناده عن مسمع بن عاصم، عن نعيم بن صبيح السعدي قال: "همم الأبرار متصلة بمحبة الرحمن، وقلوبهم تنظر إِلَى مواضع العز من الآخرة بنور أبصارهم".
قال مسمع: "وسمعت عابدًا من أهل البحرين يقول في جوف الليل: قرة عيني وسرور قلبي، ما الَّذِي أسقطني من عينك يا مانح العصم. ثم صرخ وبكى، ثم نادى: طوبى لقلوب ملأتها خشيتك، واستولت عليها محبتك، فمحبتك مانعة لها من كل لذة غير مناجاتك والاجتهاد في خدمتك، وخشيتك قاطعة لها عن سبيل كل معصية خوفًا من حلول سخطك. ثم بكى وقال: يا إخواتاه، ابكوا عَلَى فوت خير الآخرة حيث لا رجعة ولا حيلة".
وبإسناده عن أيوب بن خوط عن قتادة قال: "كان في حفرة عتيب شيخ يقال له ميسور بن محمد، وكان لا يقدر أن يسمع القرآن من شدة خوفه وكان يقول: سيد الأعمال: التقوى ثم البذل، ثم بعد البذل الشكر، ثم بعد الشكر الرضا، ثم بعد الرضا التعظيم، ثم بعد التعظيم الحب لله والإجلال له".
ومعنى هذا أن درجة الحب المستحبة التي ذكرناها في أول الكتاب متأخرة عن درجة الشكر والرضا والتعظيم والبذل.
أما الواجبة فإنها (داخلة) (?) في التقوى، كما سبق بيانه.