فَهَلْ كَانَتْ نَاسِيَةً لِأَيَّامِ الْحَيْضِ؟ أَمْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً؟ وَهَلْ نَسَخَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَ؟ وَأَيُّهُمَا كَانَ النَّاسِخَ؟ وَهَلْ إذَا اُبْتُلِيَتْ الْمَرْأَةُ بِمَا اُبْتُلِيَتْ بِهِ أُمُّ حَبِيبَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ الْغُسْلَ الْكَامِلَ؟ وَإِذَا أُمِرَتْ بِالْغُسْلِ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْحَرَجِ الْعَظِيمِ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وَهَلْ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ؟ .
فَأَجَابَ:
لَيْسَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ نَاسِخًا لِلْآخَرِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا. فَإِنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ: فِيمَنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ تَعْلَمُ قَدْرَهَا فَإِذَا اُسْتُحِيضَتْ قَعَدَتْ قَدْرَ الْعَادَةِ وَلِهَذَا قَالَ: {فَدَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْت تَحِيضِينَ فِيهَا} وَقَالَ: {إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي} وَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَخَذَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُعْتَادَةِ. أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى عَادَتِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَد. لَكِنَّهُمْ مُتَنَازِعُونَ لَوْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً تَمَيُّزَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَحْمَرِ: فَهَلْ تُقَدِّمُ التَّمْيِيزَ عَلَى الْعَادَةِ؟ أَمْ الْعَادَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُ التَّمْيِيزَ عَلَى الْعَادَةِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالثَّانِي: فِي أَنَّهَا تُقَدِّمُ الْعَادَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَذْهَبُ