ويعني ذلك ما قيل في الملائكة والكتب، وهو أن نؤمن بأن الله عز وجل بعث رسلاً وأنبياءً أقام بهم الحجة على الخلق، وأنهم معصومون وهم أفضل البشر على الإطلاق، وأنهم صلوات الله وسلامه عليهم بلغوا الأمانة وأدوا الرسالة ونصحوا الأمة، وأن منهم عدداً كبيراً ورد في بعض الآثار التي تصل إلى درجة الحسن أن عددهم (124ألفاً)، وأن عدد المرسلين ثلاثمائة وبضعة عشر، وهذا يدل على أن الرسل هم خاصة الأنبياء، وهم أفضل من الأنبياء، وأن الأنبياء في الغالب تبع للرسل وهذا في الجملة، وأفضل الرسل والنبيين هم أولو العزم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الرسل يجب في حقهم الاحترام والتقدير ويجب حماية جنابهم من أن يقدح بهم أو أن يلمزوا أو يتنقص من قدر أحد منهم، فنؤمن بهم جميعاً ولا نفاضل بينهم المفاضلة التي تؤدي إلى العصبية لكنا نعلم قطعاً أنهم يتفاضلون، فأفضلهم جملة أولو العزم من الرسل، وأفضلهم على سبيل الإفراد هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو أفضل الخلق على الإطلاق، ولذلك آتاه الله ما لم يؤتِ أحداً من العالمين، وهو صاحب المقام المحمود في القيامة، والشفاعة العظمى التي لا يمكن أن يحظى بها غيره.
ثم نأخذ جهة الإجمال والتفصيل، فكل ما صح عن أخبار هؤلاء الأنبياء وأوصافهم وأحوالهم فإنه يجب الإيمان به، وكذلك من جاء اسمه أو وصفه بمفرده يجب الإيمان به إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يبقى الإيمان بسائرهم إجمالاً ولا يجوز أن نشك في نبوة أحد منهم.
وهنا أحب أن أنبّه إلى بدعة وضلالة وقع فيها الكثير خاصة أصحاب النزعة العقلانية الفلسفية الذين يستكبرون ويتعالون عن النبوة والأنبياء، ولديهم شيء من الاغترار بعقولهم في مجال تقرير الدين والغيبيات، ويزعمون أن عيسى عليه السلام ليس نبياً إنما هو داعية مصلح ومجدد لدين موسى، وهو كذلك ولكن لا يعني ذلك أنه ليس بنبي، بل هو من أولي العزم من الرسل، وله من الخصائص ما ليس لغيره أيضاً، وقد خص الله عيسى عليه السلام بخصائص ليست في غيره، لكن هذه الخصائص لا تجعله أفضل النبيين، فإنها خصائص في خصال محدودة معلومة.
وهناك قاعدة أخرى وهي تبع للإيمان بالأنبياء والكتب وهي: الإيمان بأن الوحي قد انقطع بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى أنه ينزل إليه وحي أو يأتيه شيء بمقام الوحي فيحل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله، أو يشرّع عقيدة أو عبادة أو نحو ذلك من أمور الدين بدعوى أنه بمنزلة الوحي كل ذلك من الضلال، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، واعتقاد خلاف ذلك ضلال مبين وخروج من الإسلام.