قال المؤلف حفظه الله تعالى: [القاعدة التاسعة: في الأمة محدثون ملهمون كـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والرؤيا الصالحة حق، وهي جزء من النبوة، والفراسة الصادقة حق، وفيها كرامات ومبشرات، بشرط موافقتها للشرع، وليست مصدراً للعقيدة ولا للتشريع].
هذه القاعدة تشمل ثلاثة أمور: الأمر الأول: الإلهام: وهو نوع من الفراسة.
والأمر الثاني: الرؤيا.
والأمر الثالث: الفراسة.
كل هذه الأحوال تدخل في باب واحد وهو باب ما ينكشف لبعض العباد من أمور قد لا تنكشف لغيرهم، فما ينكشف لهم عبر الإلهام أو الفراسة أو الرؤيا الصادقة إذا توافرت الشروط وطابقت الكتاب والسنة فهو حق، لكن لكل نوع حال وتفصيل، فالإلهام هو ما يلقيه الله عز وجل في قلوب بعض عباده، بإدراك الحق في قضية قد تشكل على الأمة، سواء كانت قضية فردية أو جماعية قد تشتبه، فيحتاج الناس فيها إلى أن يعرفوا وجه الحق لالتباس النظر فيها أو تعدد وجوه النظر فيها، فالله عز وجل قد يلقي في قلوب بعض العباد إدراك الحق في هذه المسألة، فيسمى هذا إلهاماً، لكن ليس عن طريق الوحي إنما هو أمر ينكشف للإنسان مما يتوافق مع الكتاب والسنة، إذا توافرت صفات الإيمان والتقوى والفقه في الدين.
فالإلهام فتح من الله عز وجل للعبد ليس عن طريق الوحي، إنما عن طريق التوفيق في الخروج من مقتضى الالتباس إلى البيان والوضوح، فـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشتهرت عنه مواقف ألهمه الله فيها للحق، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من آرائه في تلك المواقف التي ترددت فيها الأمة في ذلك الوقت، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم والله يوحي إليه، لكن في مثل هذه الحالات التي يلقي الله الحق على قلب رجل أو لسانه هذا من باب التشريع للأمة.
وكذلك الرؤيا الصالحة في الحقيقة قد تشتبه بالأحلام، وعلى هذا فإن الرؤيا الصالحة هي التي تتوافر فيها شروط الرؤيا، وأهم الشروط: أن توافق الكتاب والسنة، وألا تتعارض مع الحق ولا تخالف الشرع، ولا توقع في بدعة ولا ظلم ولا عدوان، فهي من المبشرات والأحلام، وقد تختلط بالرؤى، فإذا أخذنا ما يحلم به الناس على هذه الضوابط فهي رؤيا صالحة، وإلا فقد تكون حلماً، ومن هنا فإنه قد يختلط على كثير من المسلمين الرؤى بالأحلام، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث الصحيح أن ما يراه الناس في المنامات على ثلاثة أصناف: الصنف الأول: الرؤيا التي هي رؤيا حق.
والصنف الثاني: رؤيا عبارة عن انطباعات أو أحلام من مثل ما يحدث به الإنسان نفسه في اليقظة أو ما يسمعه ويتلقاه من الأحداث والمشاكل، فينعكس هذا على شكل أحلام، وهذا لا اعتبار له، كما هو نص حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
والصنف الثالث: رؤيا هي من تحزين الشيطان، أي: من عبث الشيطان بالإنسان، خاصة إذا كان المسلم لم يعمل بالأسباب المشروعة لحمايته من عبث الشيطان، كأن ينام بلا ورد أو ينام على معاصٍ أو سماع أمور محرمة شرعاً أو غيبة أو نميمة، أو أمور تحجب القلب عن حقيقة الإيمان، فإنه يتسلط عليه الشيطان، فيأتيه بأحلام ويوهمه بأنها رؤى صالحة، وهذا يقع لكثير من الناس.
أما الصنف الأول: الرؤيا الحق التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها رؤيا حق قال: (الرؤيا ثلاث: فرؤيا حق) وهي على نوعين: النوع الأول: الرؤيا الصادقة الصريحة التي تأتي كفلق الصبح، ولا تحتاج إلى تأويل، فمثلاً: إنسان رأى في منامه أنه يحفظ القرآن، فهذه توافرت فيها شروط الرؤيا الصالحة، فبإذن الله سييسر له حفظ القرآن ونحو ذلك من الرؤى التي لا تحتاج إلى تأويل وليس فيها التباس ولا أمثال تضرب إنما هي رؤيا بينة واضحة، وهذا يقع لقلة من الناس الذين تتوافر فيهم صفات العبادة والزهد والورع والمال الحلال وسلامة القلوب، فهؤلاء غالباً رؤاهم صادقة لا تحتاج إلى تأويل ولا تفسير، بل إذا تيقظ من منامه بعد الرؤيا فلا يحتاج أن يفسرها؛ لأنها تفسر نفسها.
النوع الثاني: رؤيا عبارة عن أمثال تضرب للناس برموز بأسماء بأحوال بأشكال بإشارات يعرفها أصحاب الرؤى الصادقة.
أما الكرامات فهي تختلط بالخوارق التي تكون من باب الفتنة والابتلاء، وهذا مما اختلط على كثير من الناس.
والكرامات الصالحة هي من جنس الإلهام والرؤى، ولكن ليس كل ما يحدث للإنسان من خوارق الأمور يعد كرامة، لأن الكرامة قد تحدث لإنسان، فإذا لم يتعامل معها معاملة شرعية على وفق أصول الشرع فإنها قد تنقلب إلى فتنة؛ وذلك لأن الكرامة لا تكون إلا بحق، وبمقتضى الكتاب والسنة، ولا تكون في تأييد بدعة ولا ظلم ولا عدوان، ولا تكون من الأمور التي تؤدي بالإنسان إلى الوقوع في معصية أو بدعة، أما إذا كانت كذلك فليست كرامة، بل من الخوارق ومن عبث الشيطان بالإنسان.
ومن سمات الكرامة الحقيقية: أنها تؤدي بصاحبها إلى قوة الإيمان والتواضع، ويكره صاحبها ذكرها ونشرها خوفاً من الرياء، وبعض المسلمين قد يفتن بالكرامات لعدة أسباب: أولاً: أنها قد تؤيد بدعة، فيظن أنه بذلك