الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فيقول المؤلف حفظه الله تعالى: [القاعدة الثامنة: العصمة ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم، والأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة، وأما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، وما اختلف فيه الأئمة وغيرهم فمرجعه إلى الكتاب والسنة، فما قام عليه الدليل قبل، مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة].
هذه القاعدة تشمل عدة خطوات: الأولى: أن العصمة في الدين ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يمكن أن يتطرق إليه الخطأ في الدين، ولو أنه حدث منه شيء على سبيل البيان والتشريع فإن الله عز وجل يسدده، فكلما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير وصح سنده فإنه على الكمال، وهو وحي الله، ولا يمكن أن يتطرق إليه الباطل إطلاقاً؛ لأن العصمة تعني عدم مرور شيء مما ينافي الحق.
الثانية: الأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على الضلالة، فالحق لا يخرج عن مجموعة الأمة، وهي قد لا تجتمع كلها على أصول الحق، لكن تبقى منها طائفة على الحق، وقد يكون الحق أحياناً مع طائفة في جانب ومع طائفة أخرى في جانب آخر، ولا يرسو الحق لطائفة كاملة إلا لأهل السنة والجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم)، فعلى هذا فإن الأمة لا تقع جميعها في الباطل، لكن تقع طوائف منها في الأهواء والبدع والافتراق، وهذا لا يتنافى مع عصمتها، حتى لو أن أكثرية الأمة وقعت في الأهواء والبدع والفرق فلابد أن تبقى طائفة منها على الحق.
فالأمة في مجموعها لا تجتمع على ضلالة؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة).
أما آحادها أو أفرادها أو مجموعاتها بفرقها ومذاهبها فقد يقع منها الخطأ، فلا عصمة لأحد، بل أبى الله عز وجل إلا أن ترد أخطاء حتى على ألسنة وأقوال وأفعال كثير من العلماء الجهابذة الراسخين في العلم؛ ليتبين أن العصمة لا تكون إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يخلو عالم من خطأ أو زلة على الإطلاق، ولا يقدح ذلك في قدر العالم.
فآحاد الأمة وأفرادها وجماعاتها ومذاهبها يتطرق إليها الخطأ، فلا عصمة لأحد منهم.
وقوله: (وما اختلف فيه الأئمة) هذه قاعدة مهمة، فما اختلف فيه علماء المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين وغيرهم، فنتحاكم فيه إلى الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة على منهج الاستدلال الذي ذكرناه، وعلى المرجعية في فهم الكتاب والسنة فهو المقبول وغيره مردود، ورده لا يعني الاعتداء على المخطئ، خاصة العالم، بل يبقى له حقه وقدره واحترامه، ووقوعه في الخطأ لا يعني ذلك اختلال المنهج عند العالم الراسخ المستقيم على السنة، بل يبقى على المنهج، لكن مفردات أقواله وجزئياته واجتهاداته قد يقع فيها خطأ، فإذا أخطأ فلابد أن نعتذر له، ولا نجعل الخطأ ذريعة إلى الطعن فيه أو شحن قلوب الناس عليه، كما يفعل كثير من الجهلة اليوم والحمقى حينما يزل العالم في قضية يشهرون به ويسقطون اعتباره عند عامة الأمة، وهذا خلاف المنهج الصحيح، بل هذه كارثة على الأمة، ولم تكن الأمة تسلك هذه المسالك في الأزمان القديمة، إلا عندما وفدت على الأمة اليوم كثير من الأفكار التي زعزعت المسلمات والثوابت في قلوب عامة المسلمين، ومع ذلك فهذه الظاهرة الخطيرة قليلة بحمد الله في الأمة، ولكن معظم النار من مستصغر الشرر، فيجب أن نستدرك الأمر، ولا ندع الفرصة للمشككين في علمائنا ومشايخنا بالتقاط زلاتهم وتهويلها والتهوين من شأنهم.
إذاً: الاعتذار للمخطئ المجتهد في هذه الأمة أصل شرعي، لابد أن نعتذر له كما ينبغي أن نحذر زلة العالم، لأن العالم قد يزل، وليس المقصود من الزلة الخطأ في بعض الفتاوى الجزئية، إنما الزلة الخطيرة هي التي توقع الأمة في فتنة وشبهة ومفسدة عظمى، وأحياناً تكون الزلة منهجية أو زلة في فتوى تخرق قواعد الشرع القطعية وتخرق النصوص الثابتة، والعالم عندما يحصل منه ذلك لا يعني أن نخرجه من زمرة العلماء إذا توافرت فيه صفات العالم الرباني، لكن نحذر أن نتابعه على زلته، وبعض الناس قد يفهم من احترامنا للعالم أننا نأخذ أقواله دون عرضها على الكتاب والسنة وعلى العلماء الآخرين، وهذا مسلك غير سليم.
إذاً: زلة العالم إذا كانت في أمر خطير يجب أن نعالجها بالأصول الشرعية، وليس عامة المسلمين يعرفون الحكم على فتوى العالم أنها زلة، إنما يرجع فيها إلى العلماء الكبار الراسخين في العلم، فإذا حكم عليها العلماء بأنها زلة عالم فعلينا أن نرد هذه الزلة ولا نعمل بها ونعتذر للعالم؛ لأنه اجتهد فأخطأ.
إذاً: الزلة نعرفها بعرضها على الكتاب والسنة من قبل العلماء ونعرفها بأثرها على الأمة إذا كان الأ