قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثالثاً: هداية العباد وإضلالهم بيد الله، فمنهم من هداه الله فضلاً، ومنهم من حقت عليه الضلالة عدلاً].
الشرح: أي: أن الله عز وجل يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأن من هداه الله عز وجل فذلك بفضل الله ومنه وكرمه ليس لأحد على الله فضل، ولا يمكن أن يقول أحد: الله هداني بسبب أنني فعلت كذا أو أني على الخصال الفلانية، أو أني على المستوى الفلاني من الخلق! إنما الهداية توفيق من الله وفضل، لا يحصلها الإنسان بعمله ولا بمواهبه.
وكذلك الإضلال عدل من الله؛ لأنه عز وجل: {لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران:182]، فهداية الله لمن هداهم من العباد راجع إلى علم الله أنه سيهتدي، وليست المسألة تحكماً ولا قسراً للعباد، فالله عز وجل لم يجبر العباد جبراً، إنما جبل أهل الخير على الخير فهذه هي الجبلة والفطرة.
فالله عز وجل حينما أراد وقرر وشاء امتحان العباد علم بأن هؤلاء المهتدين سيسلكون طريق الهداية، فالله عز وجل حكم لهم بالهداية مسبقاً بعلم سابق أنهم سيفعلون ذلك، وحكم سبحانه على من قدّر له الضلالة في سابق علمه أن هؤلاء سيختارون طريق الضلالة، وذلك راجع لسابق علم الله، ولذلك فإن الله عز وجل ليس بظلّام للعبيد، بل جبلهم على الهدى وعلى الضلال، وكل يسلك الطريق الذي يسر له، بمعنى أنه بحسب ما اختار هو بنفسه، ولذلك فالإنسان الذي يفقد سبب التكليف بأي سبب من الأسباب المشروعة فإن الله عز وجل لا يكلفه ولا يحاسبه.
المسألة الأخرى فيما يتعلق بالهداية، وأنها توفيق من الله عز وجل، وأنها لا تكون بسبب من الإنسان مباشر، مع أن الإنسان إذا عمل خيراً فإن الله بمقتضى وعده يعده بالخير، لكن لا يظن ذلك أنه راجع إلى عمله بذاته بل بتوفيق الله وحده.
فمثلاً: الإنسان إذا هداه الله عز وجل ووفقه ثم عمل بمقتضى أمر الله عز وجل على أكمل وجه طول عمره، فهل يكافئ عمله هذا نعمة واحدة من نعم الله عليه؟ لا يكافئ، ومن هذه النعم التوفيق نفسه، وكون الله عز وجل وفقك لتعبد الله على أكمل وجه فهذا من النعم التي لا تكافئها أنت، فالتوفيق إلى الخير نعمة لولا الله ما اهتدينا لها، فالأمر من الله وإليه سبحانه، فنحن نتقلب بين فضله ومنته وعدله ورحمته، نسأل الله أن يرحمنا جميعاً.