قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثانياً: الإرادة والأمر الواردان في الكتاب والسنة نوعان: أ- إرادة كونية قدرية بمعنى المشيئة، وأمر كوني قدري.
ب- إرادة شرعية لازمها المحبة، وأمر شرعي.
وللمخلوق إرادة ومشيئة، ولكنها تابعة لإرادة الخالق ومشيئته].
الشرح: الإرادة والأمر قد يكون فيهما لبس عند بعض الناس، فما يريده الله هو ما يأمر به، أما الإرادة فهي في حق الله عز وجل نوعان: الإرادة الكونية الطبيعية أو الكونية القسرية التي لا مجال فيها لتدخل البشر أو قدرتهم، والإرادة العامة التي أراد الله عز وجل للأشياء أن تكون على ما قرر وقدّر له، وفق السنن التي لا تتبدل ولا تتغير، والإرادة الكونية العامة فيما يتعلق بربوبية الله عز وجل في وضعه لأسس الخلق، فالله خلق السماوات والأرض وخلق الناس وكل الخلق، فأنظمة الخلق وسنن الخلق خاضعة للإرادة الكونية التي لا تتبدل ولا تتغير إلا بما يشاء عز وجل.
وهذه تتعلق بالمشيئة، وأن الله عز وجل إذا شاء شيئاً كان، وتنفيذه من قِبل الله يسمى أمراً كونياً، فالله عز وجل إذا أراد شيئاً الإرادة الكونية قال له: كن فيكون، فبعضه يكون بالأسباب، وأن الله عز وجل يقول للأسباب كن فتكون، فالأسباب تكون لها مسببات، ولذلك فإن من القواعد الضرورية أن نعتقد أن الأسباب ليست أزلية، ولا يمكن الدعوة في الأسباب، فالأسباب تنتهي، ومعنى أن الله عز وجل أوجد كثيراً من الأمور بالأسباب، فالله عز وجل جعل حياة الناس سببها الماء، والماء سببه المطر، والبحار، والبخار، والسحاب وهكذا لكن إلى نهاية، وهي إرادة الله الكونية القدرية ومشيئته الكونية العامة، فالإرادة الكونية وهي سنن الله الكونية وخلقه وقدرته ومشيئته التي تتعلق بالخلق تكويناً وبالخلق أبدية وتنظيماً، أي: تدبير الخلق، والسنن الكونية التدبيرية راجعة إلى إرادة الله الكونية بمعنى المشيئة والقدر الكوني.
النوع الثاني: إرادة شرعية دينية بمعنى المحبة، فما يريده الله ويحبه ويرضاه لعباده فهذه تتعلق بالأعمال المشروعة، فالله يريد للعباد الخير ويريد لهم اليسر ولا يريد لهم العسر، فهذه تسمى إرادة شرعية متعلقة بأفعال العباد، ولا يلزم أن تكون إرادة الله الكونية؛ لأنه إذا أراد الله شيئاً كوناً لا بد أن يقع، لكن إذا أراد شرعاً فإنه علقها بأفعال البشر، والله أراد من هذا الإنسان أن يصلي لكن هذا الإنسان عورضت إرادة الله عز وجل بإرادته، إن صلى فقد تحقق مراد الله الذي هو محبته ورضاه، وإن لم يصل لم يتحقق ما أراد الله منه ويرضاه إذاً: الإرادة الشرعية هي ما يحبه الله من الأعمال المشروعة، وترك ما يبغضه الله عز وجل من الأعمال غير المشروعة، كما يدخل فيها الأمر الشرعي، والأمر الشرعي مراد لله، فالله حينما أمر بالصلاة أو بالزكاة أو بصلة الرحم أو بحسن الخلق، فيعني ذلك أن الله عز وجل أراده شرعاً ورضيه وأحبه، لكن العباد قد يفعلون وقد لا يفعلون.
فمن هنا فإن الإرادة الشرعية مرتبطة بأفعال العباد، أما الإرادة الكونية فلا دخل لأفعال العباد فيها، والله عز وجل جعل للمخلوقين المكلفين إرادة ومشيئة لكنها تابعة لإرادة الله ومشيئته، فلا يمكن أن يريد الناس ما لا يريده الله، ولا يمكن أن يشاءوا إلا وفق مشيئة الله، وهذه المسألة تتعلق بالتكليف، فالله كلّف العباد وأراد منهم شرعاً أن يفعلوا أشياء وأن ينتهوا عن أشياء وهذه الإرادة جعل عندهم فيها قدرة على الفعل والترك، وهذه القدرة هي التي تتعلق بها محاسبة العباد، فإن فعلوا ما أراده الله شرعاً فإن الله عز وجل يؤجرهم بذلك، وإن لم يفعلوا فإن الله عز وجل يعاقبهم على عدم الفعل بشروط وضوابط.