قال المؤلف حفظه الله تعالى: [رابعاً: العباد وأفعالهم من مخلوقات الله تعالى الذي لا خالق سواه، فالله خالق لأفعال العباد، وهم فاعلون لها على الحقيقة].
الشرح: هذه المسائل قد تشكل أحياناً، فالعباد المكلفون الذين أعطاهم الله عز وجل القدرة على الفعل هم مخلوقون لله وأفعالهم من خلق الله، والله عز وجل خالق كل شيء وبما في ذلك أفعال العباد، وهذا أمر بدهي، وكل المسلمين يقولون هذا بداهة، وندرك بالفطرة أن الله خالق كل شيء، ولكن يقال هذا؛ لأنها وجدت في الأمم السابقة مذاهب وديانات باطلة تزعم أن أفعال الإنسان من خلق الإنسان، أو أن أفعال الإنسان ليست من تقدير الله ولا من خلقه، فمن هنا نشأ هذا الأصل بناء على مقتضى الكتاب والسنة؛ لتحصين أجيال الأمة وتحصين قلوب المسلمين من غوائل هذه البدع والأفكار الضالة التي تزعم أن الله لم يقدّر الشر ولم يخلقه، وأن من أفعال العباد ما لم يقدرها الله ولم يخلقها، فنقول: الله خالق كل شيء، لا خالق سواه، فالعباد هم مخلوقون لله وأفعالهم من خلق الله، وأيضاً فما يفعلونه هم فهو بإرادتهم التي خلقها الله لهم وهم فاعلون لها على الحقيقة، لأن الحد الذي بين القدر الاختياري والقسري معلوم، بمعنى أني أعلم أن هناك أفعالاً قسرية لا يد لي فيها، بل هي من ربوبية الله عز وجل، وأن الله يرعاني فيها كحركة الدم، والقلب، والمشاعر، والأحاسيس، فالحركة اللاإرادية أُدرك أنها أمر خارج عن إرادتي، لكن هناك أمور يعرفها العاقل أنها من مقدوراتك، وهذه الأمور التي هي من مقدوراتك هي التي تحاسب عليها، فمثلاً: أنت الآن إذا قدم لك طعام نافع ترى عليه أثر النفع، وآخر ضار ترى عليه أثر الضرر فأنت تدرك أنك تميل إلى هذا النافع، وتنفر من هذا الضار، ثم تتناول النافع لأنك تعرف أن هذا من مصلحتك، وتترك الضار لأنك تعلم أن هذا فساد وضرر عليك، ومن لم يفعل ذلك نعتقد أنه أخطأ في حق نفسه، فكذلك أمور الدين وأمور إرادة الفعل وفعل الخيرات أو إرادة ترك المنهيات مبنية على أن الإنسان يُدرك ويلاحظ أنه يفعل الخير حقيقة بإرادته التي أعطاه الله إياها، ويترك الشر كذلك أو يفعل محذوراً بإرادة يجد فيها أنه غير مرغم فيها فمن هنا فإن أفعال الناس هي أفعالهم على الحقيقة، لكنها محكومة بخلق الله وتدبيره، ولا تخرج عن كونها من خلق الله، فالله عز وجل هو الذي خلق الخلق وخلق لهم القدرة والإرادة، وخلق لهم التمييز بين هذا وذاك، وأعطاهم القدرة التي تتعلق بمقدوراتهم فقط؛ فمن هنا يجب أن نعرف أن هناك حداً بين ما يقدر عليه العباد وبين ما لا يقدرون عليه، وأن ذلك كله من تقدير الله، فما لا يقدرون عليه لا يحاسبون عليه، وما يقدرون عليه فهو محك الحساب والسؤال.