النوع الأول: مشروع وهو الذي عليه عامة المسلمين وغالبهم، وهو الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون وسلف الأمة وغالب المسلمين الذين هم على الفطرة ولم تجتذبهم البدع والأهواء، غالبهم على هذا الأصل وهو الزيارة المشروعة التي هي من القربات، تزور أصحاب المقابر وتخص وتعم من أجل السلام عليهم السلام المشروع، كأن تقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، يغفر الله لنا ولهم) ونحو ذلك من الأدعية المشروعة أو ما يناسب ذلك من الدعاء الذي لا يكون فيه عدوان ولا ابتداع، فالسلام حق للأموات وينبغي أن يكون عاماً وخاصاً، فإذا جئت إلى المقبرة فسلم سلاماً عاماً، وإذا مررت بالمقبرة حتى ولو لم تدخل ولم تلج فينبغي لك أن تسلم على الأموات عموماً، والله عز وجل يبلغهم أو يعطيهم المقدرة على إبلاغ السلام ورده.
الأمر الثاني: أن زيارة القبور شرعت من أجل الاتعاظ وتذكر الآخرة، وفي هذين الغرضين ما يشبع رغبة المسلم تجاه إخوانه الأموات؛ لأن تعلق المسلم بالأموات من هاتين الناحيتين، من حيث أن ينفعهم فينفعهم بالدعاء، ومن ناحية أن ينتفع بحالهم فينتفع بالاتعاظ؛ لأن المسلم إذا مر بأهل المقابر وتصور ما هم عليه وأن منهم من هو على خير، ومنهم من قد يكون على أمر خطير، فيتذكر أنه قد يكون من ضمن هذا الصنف الذين فارقوا الدنيا وأنه رهين هذه الحفرة وهي القبر، وأنه سيجري له ما جرى لهم، فمن هنا يتذكر ويلين قلبه ويخشى الله عز وجل ويخاف الله ثم يتقرب إلى الله؛ ولذلك كان كثير من الصالحين لا يكتفي بمجرد زيارة المقابر مع أن في هذا كفاية من حيث الاتعاظ، لكن ربما يلقي بنفسه في القبر ثم يبدأ يحاسب نفسه وكأنه هو الميت أو كأنه سيدفن قريباً، وبعضهم يريد أن يروض قلبه على الاتعاظ والتقرب إلى الله عز وجل وتذكر الموت والآخرة، فيحفر قبره بيده ليكون أكثر تهيأ، وهذه كلها من الأمور المشروعة.
إذاً: زيارة القبور المشروع فيها الكفاية من السلام والدعاء على الأموات وتذكر الآخرة.