النوع الثاني: زيارة بدعية تنافي كمال التوحيد، بحيث لا تخرج صاحبها من الإسلام ولا يقال: إنه أخل أو أنه عمل ما يناقض التوحيد لكن ينقص التوحيد ويقع في البدع وربما يكون هذا النوع وسيلة من وسائل الوصول إلى الشرك، بل من أسباب وقوع طوائف من جهلة المسلمين في الشرك.
ومن النوع البدعي: ارتكاب بدع في زيارة الأموات وفي المقابر وزيارة القبور، وهو أن يقصد عبادة الله عز وجل أو التقرب بأي قربة لله عز وجل عند المقابر أو عند الأموات أو عند القبور، وربما تكون الوسائل لهذا هي الظاهرة عند كثير من الناس، والوسائل التي توقع في بدع القبور هي التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم أشد النهي وهي رفع القبور بحيث يشرئب إلى نفس الرائي فيعظم في قلبه هذا القبر، وكذلك البناء عليها سواء كان البناء على شكل جدر أو على شكل قباب، أو بناء المساجد عليها، كل ذلك مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم نهياً صريحاً؛ بل هو من الأمور التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته فقال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فاتخاذ القبور مساجد بأن يدفن الميت في القبر أو يبنى عليه مسجداً أو تعمل القربات والعبادات عند القبور حتى لو لم يكن عليه مسجد ولا بناية.
فالوسائل التي تعمل عند القبور هي التي أغرت بعض الجهلة بالوقوع في التوسل البدعي والشركي من اتخاذ القبور مزارات على غير الوجه المشروع، من بناء القباب والأبنية والمشاهد عليها أو دفن الموتى في المساجد أو نحو ذلك من الوسائل التي تغري الناس بالوقوع في البدع.
فهذه الأمور المغريات أوقعت الناس في التقرب إلى الله عند القبور حتى أن المتقرب لا يقصد عبادة الأموات ولا يدعوهم من دون الله، لكن يظن أن في العبادات عند المقام مزية، فتجده يقرأ القرآن عند المقبرة زعماً منه أن هذا أعظم لأجره أو يهدي ثواب القرآن إلى الأموات وهذا أقرب إلى البدعة، وبعضهم يقول: أنا أصلي لله لكني أصلي في المقبرة؛ لأن الذين في المقبرة من موتى المسلمين نرجو أن يشفعوا لنا إلخ، فيصلي لله لكنه يقصد البقعة زعماً منه أن هذا فيه زيادة بركة أو يعمل قربات أخرى عند القبر زعماً منه أن هذا يضاعف الحسنات، فقد يتصدق عند القبور ويضع المياه والأوقاف للناس الذين يعملون البدع.
فهذا كله مما هو من التوسل أو التقرب البدعي الذي أدى إلى الوقوع في الشركيات، لأن التقرب إلى الله عز وجل عند القبور فيما لم يشرعه الله بدعة، وكذلك قصد التبرك بها وإهداء الثواب عندها والبناء عليها وتجصيصها وإسراجها واتخاذها مساجد وشد الرحال إليها، بأن يتقصد الإنسان أن يسافر من أجل زيارة قبر أو زيارة مقابر، فهذا كله غير مشروع، إنما المشروع أنه إذا مر بالمقبرة يسلم على أهلها، أما أن يشد الرحال لذلك فالراجح أن هذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شد الرحال إلا للمساجد الثلاثة، وكلما ثبت النهي عنه وجب اجتنابه، فإن كان دون الشرك فهو من هذا النوع الذي ينافي كمال التوحيد.
فما لم يكن له أصل في الشرع من الأقوال أو الأفعال أو التوجهات القلبية أو القولية أو غيرها عند المقابر وسواء كان قبراً فردياً أو مقابر جماعية فإنه يدخل في هذا النوع.