قال المؤلف حفظه الله تعالى: [عاشراً: البركة من الله تعالى، يختص بعض خلقه بما يشاء منها، فلا تثبت في شيء إلا بدليل.
وهي تعني كثرة الخير وزيادته أو ثبوته ولزومه.
وهي في الزمان: كليلة القدر، وفي المكان: كالمساجد الثلاثة.
وفي الأشياء: كماء زمزم.
وفي الأعمال: فكل عمل صالح مبارك.
وفي الأشخاص: كذوات الأنبياء، ولا يجوز التبرك بالأشخاص لا بذواتهم ولا آثارهم إلا بذات النبي صلى الله عليه وسلم، وما انفصل من بدنه من ريق وعرق وشعر، إذ لم يرد الدليل إلا بها، وقد انقطع ذلك بموته صلى الله عليه وسلم وذهاب ما ذكر.
الحادي عشر: التبرك من الأمور التوقيفية، فلا يجوز التبرك إلا بما ورد به الدليل].
البركة هي النمو والزيادة وتعدي النفع، والنفع المتعدي إلى الغير من الأمور التوقيفية، فلا يجوز التماس البركة أو النفع إلا بما ورد به الدليل، والمقصود بذلك أن تعدي أو خروج المنفعة من ذات إلى أخرى أو من شخص إلى آخر المنفعة الغيبية وليس المنفعة المادية التي يعطيها الإنسان إنما المنفعة التي هي البركة التي يهبها الله لمن يشاء، هذه المنفعة غير متعدية إلا ما ورد الشرع أن فيه منفعة أو بركة متعدية، فعلى هذا فالتبرك هو التماس البركة والتماس الانتفاع من شيء على وجه غيبي، وجميع الأمور الغيبية توقيفية لا يجوز أن نقول بها إلا بدليل، فلا يجوز التبرك يعني: التماس البركة والنفع الغيبي إلا بما ورد به الدليل من القرآن والسنة.
والبركة أي: النفع المتعدي من ذات إلى ذات أو من شيء إلى شيء غير المنظور وغير النفع المادي، لأن المادي يحتاج إلى تقرير لكن النفع غير المنظور والانتفاع من شيء إلى شيء ومن شخص إلى شخص، الانتفاع المتعدي هو البركة فهذه من الله عز وجل يهبها لمن يشاء وفيما يشاء من الأشخاص والأشياء، وعلى هذا لابد من دليل، فالله عز وجل يختص بعض خلقه بالبركة المتعدية للآخرين، فيختص بعض خلقه سواء من أشخاص أو من أشياء فيما يشاء من البركة، والبركة أنواع فلا تثبت في شيء إلا بدليل، وعلى هذا فإذا كانت البركة تعني كثرة الخير وتعديه للآخرين أو حتى ثبوت البركة ولزومها إلى شيء غير متعدٍ، فإذا عرفنا أن هذا لا يكون إلا بدليل، فلنلتمس الأدلة والأشياء التي ورد فيها بركة بالأدلة، وهذا يعرفه أهل العلم، والله عز وجل قد بين لنا من خلال ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم الأشياء المباركة جملة وتفصيلاً.
ففي الأزمنة نجد ليلة القدر ليلة مباركة بالنص ويوم عرفة يوماً مباركاً، وليالي عشر رمضان وأيام عشر ذي الحجة مواسم مباركة، وكذلك شهر رمضان موسم مبارك، كل هذه وردت فيها النصوص، فالأزمان التي وردت فيها النصوص وأنها مباركة فنقف عند النوع أيضاً من البركة ما هذا النوع من البركة أحياناً تكون البركة في الزمان وفي الأعمال الصالحة التي تجري فيه، وأغلب ما يجري من البركة في الزمان في ما يكون عظيماً في الأعمال الصالحة التي تجري فيه، وأحياناً تكون البركة من وجه مضاعفة الأعمال ومن وجه أن الله عز وجل يقدر فيه أقداراً خيراً للأمة.
فليلة كليلة القدر هذا في الزمان، وفي الأمكنة في المساجد الثلاثة مباركة من حيث أنها تضاعف فيها الحسنات، ومن حيث أن لها حرمة تخصها وتضاعف فيها الحسنات، إما مضاعفة مطلقة أو مضاعفة الصلاة كما ورد في النصوص على خلاف بين أهل العلم، وكذلك هناك أشياء ليست زماناً مطلقاً ولا مكاناً مطلقاً، لكن هناك أشياء مباركة وبركته متعدية، مثل: ماء زمزم مبارك وهو لما شرب له، وقد وردت النصوص الصحيحة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك وردت البركة في أشياء مثل السحور، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة)، وهذه البركة مطلقة صحية وغير صحية، معنوية وحسية، وكذلك القرآن كلام الله مبارك، ففيه هدى للقلوب، وفيه نور وصلاح، وفيه شفاء للنفوس والقلوب والأرواح وفيه شفاء للأجسام، فهذه بركة متعدية في كلام الله عز وجل وهو القرآن، وكذلك في الأعمال، فكل عمل صالح مخلص لله كلما يعمله المسلم من عمل صالح بإخلاص فهو مبارك وبركته له لا تتعدى إلى غيره؛ لأن البركة فيها ما هو متعدٍ وفيها ما هو غير متعدٍ فبركة ماء زمزم متعدية، لكن العمل الصالح مبارك وينفع صاحبه ولا ينفع غيره.
وفي الأشخاص كذوات الأنبياء مباركة، وذات النبي صلى الله عليه وسلم خصت بالبركة.
ولذلك فإن ذوات الأنبياء مباركة ولكن لا يجوز التبرك بها، وورد أن ذات النبي صلى الله عليه وسلم وأشياءه مباركة ولا يجوز التبرك بها، لورود النص، ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بذات رسول الله صلى الله عليه وسلم بجسمه ولباسه وشعره وكلما يخرج منه، بل حتى في أشيائه بخاتمه وبسيفه وبكل ما يتناوله النبي صلى الله عليه وسلم من الأشياء والأثاث وغيره، فهذه البركة متعدية وقد وردت بها النصوص، والصحابة عملوها وأقرهم على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يتزاحمون على أشياء رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاته تبركاً فعلياً مباشراً، فهي بركة متع