النوع الثالث: التوسل الشركي: وهو صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل وأكثر ما يقع فيه المشركون وهو الذي عليه أكثر أهل الجاهلية الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وعدهم من المشركين هو اتخاذ الوسائط في العبادة من دون الله، كما قال الله عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، زعماً منهم أن هذه الوسائط أقرب إلى الله من ملائكة أو نبيين أو صالحين أو حتى أشجار أو أحجار أو مزارات أو مشاهد أو غيرها، ويزعمون أن لها مكانة عند الله عز وجل فيوجهون العبادة لها لتقربهم إلى الله ولتتوسط لهم عند الله، فهذه الوسائط هي معبودات، وفعلهم شرك، لأنهم حينما قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، حكم الله بشركهم بنص كتاب الله عز وجل وبأنهم أشركوا بهذه الوسيلة.
فالتوسل الشركي أو أكثر ما يقع هو في اتخاذ الوسائط من دون الله، وكثير من المشركين يزعمون أنهم لا يعبدون هؤلاء عبادة خالصة لكن يعبدونهم من أجل أن يقربوهم إلى الله أو يدعونهم دعاء فيما لا يجوز إلا لله من أجل أن يقربوهم إلى الله، ومنهم من يقصر العبادة على هؤلاء، ومنهم من يشرك في العبادة بأن يعبد الله من وجه، ويعبد هذه المعبودات من وجه آخر، وهذا كله شرك، سواء وجه العبادة لهذه المخلوقات من دون الله أو أنه يعبد الله أحياناً ويعبد هذه المخلوقات أحياناً كما هو حال المشركين، إذا مسهم الضر دعوا الله وحده وإذا أمنوا أشركوا به، فهذا صنف من أصناف الشرك.
كما يكون الشرك بدعائهم من دون الله وطلب الحوائج من جلب نفع أو دفع ضر مما لا يقدر عليه إلا الله من الاستعانة بهم ونحو ذلك، ومن أنواع الشرك التي يقع فيها كثير من الأمم ويقع فيها أفراد من أصحاب الفلسفات والعباد الذين يسلكون مسالك العبادة يكون عبر التفكر لا عبر الممارسات، كأن يوجهوا عقولهم وقلوبهم إلى غير الله ولو لم يعملوا بطقوس أو عبادات مباشرة وذلك كله من شرك أصحاب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود وشرك كثير من مشركي الفلاسفة وكثير من أصحاب الاستكبار عن التوجه إلى الممارسات التي تمثل الطقوس، والطقوس هي ممارسة العبادة العملية.
ولا يلزم من الشرك أن يكون بممارسة عملية فقط، إما دعاء لساني أو عمل سجود أو ركوع لغير الله ونحو ذلك بل قد يكون الشرك بأن تتوجه القلوب والعواطف إلى غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
وقد يقع في الشرك بعض الفرق وبعض الأفراد الذين ينتسبون للإسلام، ولذلك يجب على المسلمين أن يناصحوا هذا الصنف ويبينوا لهم خطورة هذا المسلك حينما يدعون الموتى من دون الله أو يدعون الأحياء أو الأموات أو المزارات والآثار والمشاهد ويدعونها من دون الله أو يصرفون لها نوعاً من العبادة كالسجود أو الركوع أو الصلاة أو الطواف، وهذا من الشركيات الظاهرة في بعض بلاد المسلمين التي قد يغفل عنها من يشاهدون هذه الشركيات، إما لأنهم اعتادوها واستمرءوها فلم يعتقدوا أنها شركيات، أو أنه لم يقع في خلدهم أن هذا من أنواع الشرك، فمن جهل المسلمين اليوم من يظن أن هذه الأمور ليست شركاً فيقع فيها أو يقرها جهلاً منه، فينبغي التنبه لمثل هذه الأعمال أو عندما يوجه أي إنسان العبادة لغير الله سواء بلسانه مثل الدعاء أو بجوارحه من سجود أو ركوع أو طواف أو غيره، فإنه ينبغي أن ينكر هذا الشرك ويبين خطورته، وقد يكون بعض الجهلة لو نبه لانتهى عن ذلك، بل ما أظن مسلماً يعرف أن هذه الأعمال خطيرة على دينه وعقيدته وأنها قد توقعه في الشرك إلا وسينتهي إذا أنكر عليه بالرفق.
وهناك أمر يقع فيه كثير ممن ينكرون هذه المنكرات وهو أنهم قد يستعملون أساليب فيها نوع من الاستفزاز والتنفير بدعوى أن هذا الشرك شنيع، وهذا لا يبرر أن ينكر عليه بالعنف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليعطي بالرفق ما لا يعطي بالعنف)، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)، فأهيب بكل مسلم يرى من بعض المسلمين بعض هذه المظاهر وإن كانت شديدة وشنيعة أن يرفق بهم ويبين لهم وجه الحق بأسلوب لين ناصح مشفق، وأن يغير من الأساليب إذا وجد أن أسلوبه لا يناسب أو لا يطاع فينبغي أن يغير ويوجه الناس بشيء من الرفق والرزانة والهدوء، فليس عليه أن يهدي الخلق لأن الهداية بيد الله عز وجل وإنما عليه النصح والبيان.