ويعينه حتى على كتابته، ويكتب له مقدمته، ويسميه له ولا يتقن من علوم الحديث إلا هذا الذي دربه فيه شيخه، لا يمكن أن يوصف بأنه ثالث حفاظ العصر بعد العراقي. وبأنه حافظ، وعالم، وإمام.

وإنني لأزعم أن المنافسة هي التي دفعت الحافظ ابن حجر إلى أن يعلل لماذا كان أول حفاظ العصر بعد العراقي بقوله: "لأن ولده تشاغل بفنون غير الحديث، والشيخ نور الدين كان يدري منه فناً واحداً" (?).

ويؤكد على ذلك، ويوضح المراد الحافظ السخاوي بقوله: "وأما في الحديث فالحق ما قاله شيخنا أنه كان يدري منه فناً واحداً. يعني الذي دربه فيه شيخهما العراقي" (?).

وإن عجبي لأشد من أن الحافظ ابن حجر يصرف الأذهان عن حقيقة استقرت فيها بتأويل لم يوفق فيه، ولا أظن أنه يوافق عليه. يقول: "وصار الهيثمي لشدة ممارسته أكثر استحضاراً للمتون من شيخه" هذه هي الحقيقة، والتعليل "حتى يظن من لا خبرة له أنه أحفظ منه، وليس الأمر كذلك، لأن الحفظ المعرفة" (?).

والإنصاف أن الهيثمي أكثر استحضاراً للمتون من شيخه العراقي، ولكن العراقي كان أتقن لفنون الحديث من تلميذه، وليس في ذلك حط من شأن العراقي حتى يسارع الحافظ إلى حصر الحفظ بأنه المعرفة، وليس هذا بمسلم له والله أعلم.

وأعود لأؤكد -وأرجو أن لا يجانبني التوفيق- أن المصنفات التي أغنى الهيثمي المكتبة الإسلامية بها -على جلالة قدرها وعظيم فوائدها-: لا تغطي المساحة الزمنية التي عاشها، والفترة الخصبة التي أَنفقها في صحبة شيخ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015