"وكان عجباً في الدين والتقوى، والزهد، والإقبال على العلم والعبادة، وخدمة الزين، وعدم مخالطة الناس في شيء من الأمور" (?).
ومما تقدم نخلص إلى أننا أمام إنسان ذكي، صبور، دؤوب، مطيع، وفيّ، أمين، ثقة، مجانب للناس مع حبه لهم، محب للعلماء والعلم، لا يدع لحظة من حياته تمر إلا في خدمتهما.
حدب عليه شيخ مشايخ عصره فأسمعه جل ما سمع، وكتب لشيخه معظم ما ألف، وقرأ عليه جل ما صنف حتى صار "لشدة ممارسته أكثر استحضاراً للمتون من شيخه" (?).
نقول: لقد حدب عليه شيخ خبر الحياة والأحياء وأفاد من تجربة عاشها. فقد كان العراقي مهتماً بعلم القراءات، فقال له قاضي القضاة عز الدين بن جماعة: "إنه علم كثير التعب، قليل الجدوى، وأنت متوقد الذهن، فينبغي صرف الهمة إلى غيره"، وأشار عليه بالاشتغال بعلم الحديث، فاستجاب الحافظ العراقي، ولم يبخل ببذل الجهد، فأصبح "الإمام الأوحد، العلامة الحجة، الحبر الناقد، عمدة الأنام، حافظ الإسلام، فريد دهره ووحيد عصره ... " (?).
إننا إذن أمام طاقة جبارة توفرت لها كل أسباب العطاء:
أسباب ذاتية: الذكاء، والصبر، والدأب، والوقت.
أسباب خارجية: شيوخ علماء ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس، مع إشراف دائم وتوجيه مستمر من شيخ مشايخ العصر الذي فاق أقرانه علماً، ونضج تجربة وخبرة لا ينقطع مدة ستة وخمسين عاماً.