فكيف يسمع الله دعاءكم وقد أكلتم الحرام، وظلمتم جميع الأنام، وأخذتم أموال الأيتام، وقبلتم الرشوة من الحكام، فأعدت لكم النار وبئس المصير: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] فلما فعلتم ذلك، أوردتم أنفسكم موارد المهالك.
وقد قتلتم العلماء، وعصيتم رب الأرض والسماء، وأرقتم دم الأشراف، وهذا والله هو البغي والإسراف، فأنتم بذلك في النار خالدون.
وفي غد ينادى عليكم: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف: 20].
فأبشروا بالمذلة والهوان، يا أهل البغي والعدوان. وقد غلب عندكم أننا كفرة، وثبت عندنا أنكم -والله- الكفرة الفجرة، وقد سلطنا عليكم الإله، له أمور مقدرة، وأحكام محررة. فعزيزكم عندنا ذليل، وكثيركم لدينا قليل، لأننا ملكنا الأرض شرقاً وغرباً، وأخذنا منكم كل سفينة غصباً، وقد أوضحنا لكم الخطاب، فأسرعوا برد الجواب، قبل أن ينكشف الغطاء، وتضرم الحرب نارها، وتضع أوزارها، وتصير كل عين عليكم باكية، وينادي منادي الفراق: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 8] وُيسْمِعُكُم صارخُ الفناء بعد أن يهزكم هزاً {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [مريم: 98]، وقد أنصفناكم إذ راسلناكم، فلا تقتلوا المرسلين كما فعلتم بالأولين فتخالفوا -كعادتكم- سنن الماضين، وتعصوا رب العالمين "وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ" وقد أوضحنا لكم الكلام، فأرسلوا برد الجواب والسلام".
في هذا الجو الذي يجمع المتناقضات: العلم إلى جانب الجهل، والتحقيق إلى جانب الإيمان العميق بالخرافة، والأمن النسبي، إلى جانب الخوف الذي يخلع القلوب، وبارقة من العدل إلى موجات متعاليات من الجور والظلم والعسف، وومضة من إنزال الناس منازلهم، إلى جانب