احتقار من هو جدير بالاحترام، وإبعاد لمن حقه التقريب، وهجر لمن يجب وصله ...
في هذا الجو الذي يقابل فيه ومْضةَ الضوء، سيلٌ لا يكاد ينتهي من الظلم والظلام، ويصارع كل داع إلى الحق فيه جيش من الدساسين الذين يثيرون العوام، ويوغرون صدور الحكام. سلاحهم نشر الخرافة والشعوذة، وغايتهم إغراق الناس في شطحات الوهم قتلاً للوعي، وتعطيلاً للعقل عن الكشف عن قوانين الحياة.
في هذا الجو الذي اعتزل فيه العرب السياسة، وهجروا -وللأسف الشديد- ساحات الجهاد إلى الزراعة والصناعة، وبقية الحرف التي يكسبون منها معاشهم، وكان من جملة ما انصرفوا إليه العلم الذي كان انصرافهم إليه غَيْرَةً على الدين، ورغبة في إعادة الإسلام التليد، يشجعهم على ذلك فئات من السلاطين تحدت أساليبهم واختلفت غاياتهم:
أ- فئة منهم صادقة الحب للدين، مخلصة لرب العالمين، أحسنت إلى العلماء العاملين وقربتهم وكانت لهم الحظوة في بلاطها.
ب- وفئة كانت -لجهلها- تعتقد أن الإحسان إلى العلماء، وعمارة المساجد والمدارس كفارةٌ لسيئاتها الأخلاقية وستاراً لظلمها، ولما تسببت فيه من ويلات ومجاعات واضطرابات.
ج- وفئة -لخبثها- كانت تستغل هذا استغلالاً لتخدع عامة الناس بأنها العين الساهرة على حفظ ما يحبون، وبأنها حريصة على إشادة ما به يرغبون.
في هذا الجو المشحون بالصراعات المحمومة، وفي صحراء الفسطاط المستلقية بينها وبين المقطم، في ذاك الجو، وفي هذه البقعة المنعزلة عن صخب الحياة وضجيجها ولد الحافظ الهيثمي سنة (735) هـ. فهل أثرت