ولقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم الكثرة التي لا فائدة من ورائها في حديثه المشهور الذي يقول فيه: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها)) ، قالوا: ومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: ((بل أنتم حينئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن)) ، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت)) .
وإذن فالكثرة الصالحة القوية المنتجة مرحبًا بها، وهي محل المباهاة في كل زمان ومكان، أما الكثرة المنحرفة الطائشة الضعيفة التي تمد يدها بالسؤال إلى غيرها فإن القلة الرشيدة خير منها.
ونحن نكرر أن مسألة تنظيم الأسرة ليست من المسائل التي لا تقبل التغيير أو النظر؛ لأنها تنزيل من حكيم حميد، وإنما هي من المسائل التي تقبل المراجعة والنظر والتى هي من الأمور النسبية التي تخضع لظروف كل أسرة وأحوالها، ولإمكانيات كل دولة وتقديرها، فقد يكون تنظيم النسل مطلوبًا في أسرة دون أسرة وفي دولة دون دولة.
فالأقطار التي تشكو من تضخم السكان في حاجة إلى تنظيم الأسرة أو النسل، والأقطار التي في حاجة إلى كثرة الأفراد لخروجها من حروب مدمرة أو لوجود إمكانيات ضخمة فيها، لا تطالب بتنظيم النسل.
والخلاصة أن هذه المسألة تختلف من أسرة إلى أسرة، ومن قطر إلى قطر على حسب الظروف والأحوال والإمكانيات.
سابعًا: هل الدين يدعو إلى اتخاذ وسائل معينة لتنظيم الأسرة؟
الجواب: أن الدين يدعو إلى الحياة السعيدة بين الزوجين ويرسم لهما طريقهما ويحدد لهما ما هو حلال وما هو حرام، ثم بعد ذلك يعيطهما الحرية الكافية لتصريف حياتهما في إطار شريعة الله تعالى ومكارم الأخلاق.