ولذا فتنظيم الأسرة لا يتعارض إطلاقًا مع الاعتقاد بأن الله تعالى هو الرازق لمخلوقاته لأننا مع هذا الاعتقاد مطلوب منا أن نسعى لطلب الرزق من وجوهه المشروعة حتى نقدم لمن هم أمانة في أعناقنا ما يغنيهم ويسترهم.. وفي الحديث الصحيح: ((إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون وجوه الناس)) ، ثم إني بعد ذلك أتساءل في ألم: هل الناس في مجموعهم يؤمنون بهذه الآية إيمانًا عمليًا كما ينطقون بها لفظيًا؟

والجواب: أن واقعهم العملي الذي نحسه ونشاهده، يخالف أقوالهم.. بدليل أنهم لو كانوا يؤمنون بهذه الآية إيمانًا عمليًا عميقًا، لما رأيت الوساطات من فلان إلى فلان من أجل الحصول على أشياء معينة.. ولما رأيت من يريق ماء وجهه ويذل نفسه لمخلوق مثله، من أجل أن يعين بعض أولاده في وظيفة معينة، أو في عمل معين، أو أن يدخلهم له كلية معينة ... إلخ، ولما رأيت أولئك الذين لا يعرفون معنى التعفف وهم يمدون أيديهم بالسؤال إلى مخلوق مثلهم.

فهل هذا المسلك الذي يتنافى مع الكرامة الإنسانية يتفق مع معنى قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} ؟

مما لا شك فيه أن الذي يتفق مع معنى هذه الآية الكريمة هو العفاف النفسي والسمو القلبي والتعالي على سؤال المخلوقين في أمر يتنافى مع مكارم الأخلاق.. ولكن آفة الناس الكبرى أن كثيرًا منهم أقوالهم في واد وأفعالهم في واد آخر، وهذا شر ما تبتلى به الأمم.

وأيضًا لا تتعارض الدعوة إلى تنظيم النسل مع قوله صلى الله عليه وسلم: ((تناكحوا تناسلوا تكثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)) ؛ لأن هذا الحديث مع كونه مرسلًا نرجح أن المقصود به والله أعلم الكثرة المؤمنة الصالحة القوية المنتجة، إذ من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يباهي بكثرة فاسقة عاصية ضعيفة جائعة متخلفة جاهلة تستورد معظم ضروريات حياتها من غيرها، وإنما يباهي بالكثرة المستقيمة القوية العزيزة الغنية التي دائمًا يدها هي العليا ويد غيرها هي السفلى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015