وظروف تنظيم النسل أو الأسرة كانت في القديم مقصورة على (العزل) وهو قذف النطفة بعيدًا عن الرحم عند الإحساس بنزولها.
وقد ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل. وفي رواية للإمام مسلم عن جابر أيضًا قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغه ذلك فلم ينهنا.
ثم تطورت طريقة تنظيم النسل بمرور الأيام وابتكر الأطباء أنواعًا كثيرة لهذا الغرض، منها ما يؤخذ عن طريق الفم، ومنها ما يؤخذ عن طريق الحقن، ومنها اللوالب المعدنية إلى غير ذلك من الوسائل.
وكل هذه الوسائل لا يعارضها الدين مادامت لا تتنافى مع آدابه، ومادام قد حكم الأطباء الثقات بصلاحيتها وعدم حدوث ضرر من استعمالها.
ثامنًا: هل يتنافى تنظيم الأسرة مع الإيمان بقضاء الله وقدره؟
والجواب: أنه لا تنافي بين تنظيم الأسرة وبين الإيمان بقضاء الله وقدره، لأن تنظيم الأسرة ما هو إلا لون من مباشرة الأسباب التي أمرنا الله تعالى بمباشرتها لتنظيم حياتنا.
وهذه الأسباب قد تنجح وقد لا تنجح، وقد تتخذ المرأة وسائل منع الحمل لفترة معينة مع ذلك يأتي الحمل، كما أن المريض قد يذهب إلى الطبيب فيعطيه علاجًا معينًا، ولكن هذا العلاج قد يؤدي إلى الشفاء وقد لا يؤدي إلى ذلك.
ونحن مطالبون دينيًا وعقليًا بمباشرة الأسباب التي شرعها الله تعالى لنجاحنا في الحياة، مع إيماننا المطلق بأن ما قدره الله وقضاه لابد أن يكون، إلا أن ما قدره الله وقضاه نحن لا نعلمه ولا نعرفه؛ لأن مرده إليه وحده، وهو سبحانه علام الغيوب، ورحم الله القائل:
إنما الغيب كتاب صانه عن
عيون الخلق رب العالمين
ليس يبدو منه للناس سوى
صفحة الحاضر حينًا بعد حين
وإذن فتنظيم الأسرة لا يتعارض إطلاقًا مع الإيمان بالقضاء والقدر لأن ما قدره الله سبحانه نحن لا نعلمه، وإنما نحن نباشر الأسباب، ثم نَكِلُ النتائج له سبحانه يصرفها كيف شاء {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .
الدكتور محمد سيد طنطاوى