ولا تتعارض الدعوة إلى تنظيم الأسرة مع قوله سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (?) لأنه ما قال أحد بأن تنظيم الأسرة قتل للأولاد، وإنما هو حماية لهم من النواحي الدينية والصحية والاجتماعية ...

والآية الكريمة وما يشبهها من آيات، تنهى عن قتل الأولاد قبل ولادتهم، وبعد ولادتهم وتتوعد الذين كانوا يفعلون ذلك من أهل الجاهلية ولاسيما مع البنات بأشد أنواع العذاب، ومن ذلك قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (?) وقوله سبحانه: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (?) .

ولقد حرمت شريعة الإسلام الإجهاض – وهو قتل الجنين في بطن أمه – تحريمًا قاطعًا، ولم تبحه – كما سبق أن أشرنا – إلا إذا حكم الطبيب الثقة بأن بقاء هذا الجنين سيؤدي إلى هلاك الأم أو إلحاق ضرر محقق بها. وقال فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت ما ملخصه: (اتفق الفقهاء على أن إسقاط الحمل بعد نفخ الروح فيه – وهو كما يقولون لا يكون إلا بعد أربعة أشهر – حرام وجريمة لا يحل لمسلم أن يفعله لأنه جناية على حي متكامل ولكنهم قالوا: إذا ثبت من طريق موثوق به أن بقاءه بعد تحقيق الحياة هكذا يؤدي لا محالة إلى موت الأم فإن الشريعة بقواعدها العامة تأمر بارتكاب أخف الضررين، وهو إسقاط هذا الحمل، أما إسقاطه قبل نفخ الروح فيه – أي قبل إتمام أربعة أشهر كما يقولون – فقد اختلفوا فيه فرأى فريق أنه جائز ولا حرمة فيه، ورأى آخرون أنه حرام أو مكروه) .

ولا يتعارض تنظيم الأسرة كذلك مع قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (?) ، لأن كل إنسان لا يكون مؤمنًا حقًا إلا إذا اعتقد اعتقادًا جازمًا أن كل دابة في الأرض من إنسان أو حيوان أو غيرهما، على الله وحده رزقها فهو سبحانه الرازق للغني والفقير وللصغير والكبير، ولكن ذلك لا ينافي الأخذ بالأسباب والسعي في سبيل الحصول على الرزق إذ أن هذا الرزق قد جعل الله تعالى له وسائل من سلكها نجح ومن أهملها خسر، وكيف لا هو القائل في آية أخرى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015