وفي قاعدة أخرى: (ما حرم أخذه حرم إعطاؤه) (?) .
ومن ثم كان محرماً على أي شخص أن يقلع جزءاً من نفسه لغيره، وإذا كان ذلك حراماً فلا يصح حينئذ أخذ عوض عنه، أو التبرع به، لأن ما لا يجوز بيعه لا يجوز هبته، وما جاز بيعه جاز هبته كما هي القاعدة الشرعية أيضاً التي نصوا عليها.
وإذا كان هناك رأي للشافعية في صحة بيع لبن الآدمي إذا حلب، فإنه خاص بهذا فقط، دون غيره من أجزاء الإنسان؛ إذ يحرم عندهم التصرف فيها كلا أو بعضا.
والحنابلة: يرون حرمة بيع أجزاء الإنسان، ولقد وضحوا رأيهم هذا صراحة عند عرضهم اختلاف الفقهاء في حرمة بيع لبن الآدمي إذا حلب، فالإمام أحمد روي عنه كراهته وجماعة من الحنابلة يحرمون بيعه، كالحنفية والمالكية ويعللون ذلك (بأنه جزء من آدمي فلم يجز بيعه ... ) أشبه سائر أجزائه.
وأما الرأي المخالف لذلك من بينهم والذين رأوا تصحيحه وهو جواز بيع لبن الآدمي لأنه طاهر منتفع به ... قالوا: (وإنما حرم بيع الحر، لأنه غير مملوك، وحرم بيع العضو المقطوع منه، لأنه لا نفع فيه) .
والظاهرية: يرون ـ كما سبق أن نقلناـ: (أن كل ما حرم أكل لحمه فحرام بيعه ولبنه؛ لأنه بعضه ومنسوب إليه - وبالله تعالى التوفيق - إلا ألبان النساء فهي حلال ... ) . ومنه يتبين حرمة بيع أجزاء الآدمي غير اللبن عندهم.
والزيدية: يقولون بأبلغ تعبير: (لا يجوز مطلقاً بيع الحر ولو شعراً بعد انفصاله، باع نفسه أو باعه غيره (?) .ثم أوجبوا تأديب من يفعل ذلك أو تعزيزه بما يراه الحاكم.
والإمامية: أيضاً لا يجوزون بيع ما لا يملك كالإنسان الحر، ومقتضاه أنهم لا يجوزون بيعه كلا أو بعضاً؛ لأن ما لا يدخل تحت ملك الإنسان لا يجوز له التصرف فيه.