إذ هذه الأجزاء جميعها هي مكونات الآدمي من لحم وعظم، وإن أخذ كل عضو من أعضائه اسماً معيناً إلا أنها أجزاء الحقيقة، فما تأخذه الحقيقة الكلية من حكم يأخذه كل جزء من أجزائها؛ لأنها نفس واحدة، وروح واحدة، فإذا حرم التصرف في الآدمي حرم التصرف في كل جزء من أجزائه.
(ومن ثم رأينا الحنفية لا يجوزون بيع شعر الإنسان ولا الانتفاع به ... ، ولا بيع لبن امرأة إذا حلب ... كما سبق أن ذكرنا ـ وعللوا ذلك بأن الآدمي مكرم شرعاً وإن كان كافراً، فإيراد العقد عليه، وابتذاله به، وإلحاقه بالجمادات إذلال له، وإذلاله غير جائز، وبعض الإنسان في حكمه، وصرح في فتح القدير ببطلان بيعه.
فسائر أجزاء الآدمي لا يجوز بيعها سواء كانت متجددة أو غير متجددة عندهم.
المالكية: ولقد بين القرافي في النص المنقول آنفاً أن الأصل حرمة أجزاء الآدمي، وأن إباحة اللبن هو أنه استثنى منه الرضاع للضرورة، وقيس ما عداه على الأصل، بخلاف الأنعام بدليل تحريم لحمه تشريفاً له ...
الشافعية: وقد نطق فقه الشافعية بذلك أيضاً.
فقد نص الشافعية على قاعدة عامة في التصرف في الحر وهي: (الحر لا يدخل تحت اليد والاستيلاء) (?) . ومؤاده أنه لا يملك، وإذا كان الحر لا يملك، فإنه لا يجري عليه بيع ولا هبة ولا أي تصرف من التصرفات التي تجري على الشيء المملوك.
كما ينصون على أنه: (يحرم جزماً على شخص قطعه (أي بعض نفسه) لغيره من المضطرين، لأن قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لاستيفاء الكل ... ) وقد سبق النص. ثم ينصون على قاعدة شرعية تمنع التصرف فيما لا يحل للإنسان، ولا يدخل في ملكه وهي: (من لا يملك التصرف لا يملك الإذن فيه) (?) .