المبحث السادس
حكم انتفاع الإنسان بجزء من إنسان آخر
حي في حال الضرورة
حكم انتفاع الإنسان بجزء من إنسان آخر
بينا آنفاً الضوابط عند انتفاع الإنسان بجزء من ميتة الإنسان، ولكن هذا الضوابط تزداد هنا وتتعقد؛ نظراً لمكانة الروح في جسم الإنسان ولمكانة عصمة دمه، ومنع النيل منه، كلا أو بعضاً، ووضع العقوبات الرادعة لمن يعتدي عليه أو على جزء منه.
وإذا أردنا أن نبرز هذه الضوابط فإننا نذكر في هذا المقام أيضاً أننا نتحدث هنا عن حالة الضرورة فقط {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (?) فالمضطر فقط هو الذي أبيح له التناول من المحرم؛ دفعاً للهلاك عن نفسه، أما ذو الحاجة، وهو من وقع في جهد ومشقة فقط، كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكله لم يهلك، فإنه لا يباح له تناول المحرم أو الانتفاع به؛ سداً لحاجته ودفعاً للمشقة عنه، وإن كان يباح له الفطر في الصوم وفي السفر {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (?) .
فالضرورة غير الحاجة، والفارق بينهما أنه إن لم يتناول الممنوع هلك كلا أو بعضاً في حالة الضرورة، وأصابه جهد ومشقة في حالة الحاجة، ونظراً لأن المشرع الحكيم يهدف إلى استمرار حياة النفس البشرية وإبعادها عن الهلاك، أباح لها ما يحقق ذلك، ولو أدى هذا إلى تناول ما حرمه عليها في حال الاختيار، فالانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب ـ كما يقول القرافي ـ أما الانتقال من الإباحة إلى الحرمة فيكفي فيها أيسر الأسباب (?) .
وأعلى الرتب في ترتيب المصالح هي الضرورة، وأدناها التحسين، وأوسطها الحاجة، فالضرورة وحدها هي التي تبيح تناول المحرم حسبما ذكرنا.