الزيدية:
جاء في شرح الأزهار ج4 ص 97:
ويقدم الأخف فالأخف عند الاضطرار، ولا يعدل إلى الأغلظ تحريماً مع وجود الأخف، فمن أبيح له الميتة، قدم ميتة المأكول، ثم ميتة غيره، ثم ميتة الكلب، ثم ميتة الخنزير، ثم الحربي حيا (?) . أو ميتاً ثم ميتة الذمي، ثم ميتة المسلم، ثم مال الغير، ثم دابة حية له، ثم لغيره بعد ذبحها، إلى بضعة منه أي من نفسه، حيث لا يخاف من قطعها ما يخاف من الجوع؛ كقطع المتآكلة حذراً من السراية) .
المقارنة والترجيح:
يتضح لنا مما تقدم أن الفقهاء قد اختلفوا فيما لو اضطر الإنسان إلى الانتفاع بجزء منه لإنقاذ حياته إلى رأيين:
الرأي الأول: يرى الحنفية وبعض الشافعية والحنابلة أنه لا يجوز للإنسان أن يقطع شيئاً من بدنه لينتفع به في إنقاذ حياته، وقد عللوا ذلك بأمرين:
أولاً: أن ما أبين من الحي فهو ميت، وإن الميت يجب مواراته التراب، فالانتفاع به تغيير لما وجب بشأنه، ويستفاد هذا من كلام الحنفية.
ثانياً: أنه قد يتولد الهلاك من قطع جزء من بدنه، والضرر لا يزال بالضرر؛ إذ ربما قطع هذا الجزء أدى إلى قتله فيكون قاتلاً نفسه، وقاتل النفس عمداً خالد مخلد في نار جهنم أبداً.
الرأي الثاني: يرى الشافعية على الأصح والزيدية جواز أن يقطع إنسان شيئاً من بدنه إنقاذاً لحياته، وقد عللوا لهذا الرأي بأمرين:
الأول: أن قطع هذا الجزء لإنقاذ حياة يشبه قطع (السلعة) أو اليد المتآكلة إنقاذاً لنفسه، فكما أنه جاز في الثانية يجوز في الأولى بجامع إنقاذ الحياة في كل.
الثاني: أن جواز ذلك يدخل في باب إتلاف البعض لإنقاذ الكل، أو التضحية بالبعض لإنقاذ الكل، وجواز ذلك مقرر بالإجماع.
والذي أرجحه هو الرأي الثاني؛ وذلك لما أبرزته من أدلة له، ولما يأتي:
أولاً: أن ما قطع منه ليعود إليه يجوز قياساً على من قطع منه عضو ثم أعيد إليه، فإنه في هذه الحالة يجوز؛ لأنه إعادة جزء نفسه إلى نفسه، وهذا إكمال للنفس وإعادة لها إلى حالتها الطبيعية، فما بالك بما نحن فيه حيث يخشى أن تهلك النفس جميعها إذا لم تنقذ بمثل هذا الجزء، كما إذا احتاج مريض القلب إلى نقل بعض الشرايين من مكان آخر من جسمه ترقيعاً لما تلف في القلب.
ثانياً: أنه إذا كان النقل من مكان إلى مكان من باب المداواة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالتداوي ـ وقد سبق أن نقلنا النصوص من السنة المطهرة في ذلك
، فحينئذ إذا قرر الطبيب المسلم الحاذق ذلك، جاز أن يؤخذ من الجسم ويرد إليه إنقاذاً لحياته ودفعاً للضرر عنه.
ثالثاً: أنه إذا كان خطر القطع أعلى من خطر البقاء على ما هو عليه، فحينئذ لا تجوز هذه الجراحة؛ لأنها مغامرة وإهلاك للنفس غالباً، وذلك لا يجوز شرعاً، فلا بد من أن تكون نسبة النجاح أعلى، وكفة السلامة أرجح في حال إجراء هذه الجراحة.
أما عند تساوي الأمرين فأرجح ما ذهب إليه الشافعية من أنه يحرم إجراء هذه الجراحة.