المبحث الخامس

حكم

الانتفاع ببعض أجزاء الإنسان الحي

لمنفعة نفسه في حال الضرورة

حكم الانتفاع ببعض أجزاء الإنسان الحي

لمنفعة نفسه في حال الضرورة

في هذه الفترة من البحث يلزمنا أن نفصل حالات هذا الانتفاع سواء من ناحية الشخص المنتفع، أو من ناحية حال الشخص المنتفع منه، ومن ناحية الجزء المنتفع به وآثاره على الشخص المأخوذ منه، ومن ناحية المنهج والأسلوب الذي يمكن به أخذ هذا العضو، سواء كان من نفسه إلى نفسه أو من نفسه إلى غيره.

المبحث الأول

انتفاع الشخص بجزء من نفسه لنفسه في حالة الضرورة

وهنا يلزمنا أن نوضح أن ما يحتاج الإنسان إليه من أجزاء بدنه تارة يكون للتصحيح والتعويض، وتارة يكون لإنقاذ حياته ونوضح حكم كلا النوعين فيما يلي:

النوع الأول: أن يكون ما يحتاج إليه من نفسه للتصحيح والتعويض كأن يكون به عيب ظاهر فيحتاج إلى إصلاح هذا العيب الظاهر ـ كما يحدث عقب الحروق والحوادث التي قد تبتر عضواً أو تحدث به منظراً غير مألوف ـ كالأذن أو الأنف ـ أو قد يولد الإنسان بهذه الكيفية ويمكن عن طريق الجراحة إصلاح هذا العيب.

فهذا النوع من الجراحات التصحيحية يمكن القول بجوازه قياساً على جواز أخذ شيء من بدنه ليأكله إذا كان مضطراً ـ كما هو رأي الشافعية والزيدية - وسيأتي إيضاحه.

ولا يعتبر ذلك تغييرا للخلقة بل هو إعادة لها إلى حالتها الطبيعية، إعادة لها إلى حالتها المألوفة ونسقها وهيئتها المعتادة، وإبعاد لما قد يصاحب بقاءها من منظر متغير، أو شكل غريب ملفت للنظر وهيئتها المعتادة، وكل ذلك غرض وهدف لا يأباه الشرع الحكيم.

أما الجراحات التجميلية والتي يقصد بها الغلو في مقاييس الجمال، كترقيق الأنف أو تفليج الإنسان أو نحو ذلك فهذا النوع من الجراحات يدخل في دائرة المنهي عنه في الحديث الشريف، وهو ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الحديث الشريف، قال: ((لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله)) قال: (فبلغ ذلك امرأة من بني أسد، يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتلفجات للحسن المغيرات خلق الله؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عز وجل؟ فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته. فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدته؛ قال الله عز وجل: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ... صحيح مسلم.

النوع الثاني: أن يكون ما يحتاج إليه الإنسان من نفسه تتوقف عليه حياته، وقد صور الفقهاء ذلك في صورة أن يشتد به الجوع ولا يجد ما يأكله، فيلجأ إلى قطع جزء من نفسه ليأكله فتمتد به حياته بعض الوقت إلى أن يجد مخرجاً من حالة الاضطرار أو المخمصة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015