وللإجابة عن ذلك نقول: إن القرآن الكريم قد عبر عن ذلك بأوضح تعبير وبينه أوفى بيان، إذ أنه بعد ذكر المحرمات: قال {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} فالمستثنى من الوقوع في المحرم هو من وقع في حالة الاضطرار لا في أي حالة غيرها، حاجية أو تحسينية.

ومن ثم فلا يجوز هذا الانتفاع إلا في حالة الضرورة، وإلا لضاعت الحكمة من تحريم هذه المحرمات باتساع دائرة الإباحة عند الحاجة مما يفقد التحريم حكمته والغاية منه.

4- كذلك يجب أن يكون هناك إذن بالانتفاع بأجزاء الميت وهذا الإذن، يمكن أن يكون صادراً من الميت قبل موته، باعتبار أن له ولاية على نفسه، ويمكن أن يكون صادراً من ورثته بعد موته، وهم من لهم الحق في ميراث تركته شرعاً، ولهم المطالبة بالقصاص في حالة الجناية عليه عمداً، فإذا اتفقا على التبرع بجزء منه فلا إشكال، وكذا إذا اتفقنا على المنع فلا يؤخذ شيء منه، أما إذا اختلفت وصية الميت عن رأي الورثة، فإن كان الميت قد أوصى بالانتفاع ببعض أجزائه، وهم لم يوافقوا فإنني أرى أن نعتد بوصيته؛ لأن ولايته على نفسه مقدمة على ولايتهم، ولذلك شبيه في الفروع الفقهية، وذلك فيما إذا عفا المجني عليه قبل موته من الجاني، فإن فقهاء الحنفية اعتبروا عفوه وأخذوا به وجعلوه مقدماً على رأي الأولياء فيما إذا طالبوا بالقصاص، وأسقطوا القصاص أخذاً بعفوه ... وأما إذا رفض هو التبرع بأجزاء منه بعد وفاته، ثم وافق الورثة على هذا الانتفاع، فإنني أرى ترجيح جانب الورثة هنا تحقيقاً لمصلحة راجحة، وهي بقاء نفس إنسانية حية، ودرء المفسدة محققة، وهي دفع الهلاك عن هذا الإنسان الذي يراد نقل العضو الميت إليه، وفي الوقت نفسه ليس هناك ضرر على الإطلاق بالنفس المراد أخذ العضو منها لأنها هي وأعضاؤها لا تلبث أن تفنى وتصير تراباً، ولا شك أن الانتفاع بها قبل تحويلها إلى هذا المصير أولى بالاعتداد وأرجح في الاعتبار ومن ثم كان العمل بإرادة الولي هنا أرجح من العمل بإرادته هو، وهذا يتمشى مع رأي الظاهرية الذين يجعلون الرأي للولي أخذاً من قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} الإسراء: 33.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015