الشيخ علي محيي الدين القره داغي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.

الشكر موصول للإخوة الكرام أصحاب البحوث الجيدة وللعارض في عرضه المتميز، فجزاهم الله خيرًا.

أنا أعتقد أنه لا بد أن يفصل بين عقد التأمين من حيث هو عقد التأمين وبين ما يترتب على عقد التأمين مما يجري من العقود بين شركات التأمين أو حامل الوثيقة وبين المستشفى أو الطبيب، فنفصل بين الأمرين، مسألة المشارطة وما أشبه ذلك مسألة جانبية، بينما أصل العقد هو الأساس، وأنا أعتقد أن ما تفضل به معظم الإخوة الكرام من الباحثين والمداخلين في التفرقة بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري ضروري جدًّا ولا سيما أن هذه التفرقة تنسجم مع القرارات السابقة كما تفضل فضية الشيخ علي السالوس، هذا صحيح. فنحن الآن لا يمكن أن نهدم ما بنيناه وإنما نبني على ما بنيناه، وإذا أريد فلا بد أن نعود إلى الأصل، وبالتالي المجمع الموقر وكذلك المجامع الأخرى أقرت هذه التفرقة. والفروق جوهرية ولا يسع المجال لبحثها، يكفي أن نذكر من أن أساس التأمين التعاوني يكون على التبرع، وأن أموال حملة الوثائق لا تذهب إلى المساهمين أو الشركة المساهمة وإنما منهم وإليهم، إلى غير ذلك، إضافة إلى أن الغرر ليس مؤثرًا في التبرعات بينما مؤثر في المعاوضات، إضافة إلى أكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك. فالقضية لسنا الآن بصددها وإنما الفروق جوهرية ولا نعود إليها. هذا من جانب.

وبالتالي فنقر أن التأمين الاجتماعي أو التأمين التعاوني جائز بشروطه وضوابطه، نحن هنا لسنا مسؤولين عن التطبيق، فإذا كان هناك خطأ في التطبيق فالذين يطبقونه هم الذين يتحملون المسؤولية، ولا ينبغي لنا ـ خوفًا من هذا التبطيق السيئ ـ أن نحرم شيئًا، وهذا لا ينبغي حقيقة. الأحكام الشرعية تجري على حسب ضوابطها وتأصيلاتها الشرعية، وبالتالي فالتأمين التعاوني أو التبادلي صحيح من حيث المبدأ، والتأمين الصحي التجاري إن كان إلزاميًا فالإنسان ملزم قانونيًا فلا حرج عليه وذلك من باب الضرورات، ثم حتى ولو لم يكن إلزاميًا كما هو الحال في بعض الدول الغربية، بل إن الدول الغربية والمسلمين الذين يعيشون فيها، الشركات والحكومات تفرض على كل إنسان يعمل أن يكون مؤمنًا تأمينًات صحيًا. فحينئذ أصبح نوعًا من الاضطرار، وحتى لو كان في حاجة ماسة إليه فالحاجيات تنزل منزلة الضروريات في مثل هذه القضية التي أشار إلى أهميتها فضيلة الدكتور الزحيلي وغيره. التأمين الصحي ليس من نافلة القول وليس من المحسنات ولا من الحاجيات العادية إنما هو من الضروريات أو الحاجيات الملحة فتنزل منزلة الضرورة إذا لم يستطع. ولذلك أطلب هنا تأكيدًا لما قيل في هذا المجمع الموقر توصية إلى الدول الإسلامية بتبني التأمين الصحي وشموليته لكل من يعيش على أرضها دون تفرقة بين شخص وآخر، لما يترتب على عدم التأمين من أضرار للجميع فالأمراض إذا عمت تعم الجميع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015