أما الحالة الثانية: أن يكون للمستأجر في عقار الوقف حق القرار بسبب ما ينشئه في أرض الوقف بإذن الناظر لأجل أن يكون ملكاً له وخلواً ينتفع به من بناء أو غراس أو كبس بالتراب وهو المسمى عند الحنفية (الكردار) ، أو ما ينشئه كذلك في مبنى الوقف من بناء ونحوه متصل اتصال قرار وهو المسمى عندهم (الجدك) ، قال صاحب الفتاوى الخيرية: صرح علماؤنا بأن لصاحب الكردار حق القرار فتبقى في يده، ونقل ذلك عن القنية والزاهدين قال الزاهدي: من استأجر أرضاً وقفاً وغرس فيها أو بنى ثم مضت مدة الإجارة، فللمستأجر أن يستبقيها بأجر المثل إذا لم يكن في ذلك ضرر، ولو أبي الموقوف عليهم إلا القلع ليس لهم ذلك (?) ، لكن لو كان في البقاء ضرر لم يجب الاستيفاء، كما لو كان المستأجر أو وارثه مفلساً أو سيئ المعاملة (?) .

ولا يخفى أن الأصل في الإجارة أنه إذا انتهت المدة فالناظر بالخيار بين أن يجدد عقد الإجارة للمستأجر الأول أو لا يجدد، بل تنتهي الإجارة وله أن يؤجر لغير المستأجر الأول، وهي مسألة إجماعية على ما ذكره الرملي، لكن استبقاء الأرض الوقفية المؤجرة عند من أفتى به إن بنى عليها مستأجرها على الصفة المذكورة، وجهه أنه أولوي، دفعاً للضرر عن المستأجر لاسيما مع ما ابتلي به الناس كثيراً (?) .

ويشترط في هذه الحالة عند كل من أفتى بثبوت هذا الحق ألا تجدد الإجارة بأقل من أجرة المثل منعاً للضرر عن الوقف بها، كما أن حق الاستبقاء للمستأجر إنما ثبت له دفعاً للضرر عنه لو طولب برفع جدكه أو كرداره.

ولثبوت حق القرار أي البقاء عند من أفتى به من الحنفية أن يكون ما صنعه المستأجر من وضع غراسه وبنائه أو جدكه بإذن الناظر ليكون المستأجر ملكاً وخلواً، فإن وضعه دون إذن فلا عبرة به، ولا يجب تجديد الإجارة له (?) ، أما المستأجر إذا لم يكن له جدك ولا كردار (?) فلا يكون له فيه حق القرار ولا يكون أحق بالاستئجار بعد انقضاء مدة استئجاره سواء أزادت الأجرة أم لا؟ وسواء قبل الزيادة أم لا؟ قال ابن عابدين: ومن أفتى بأنه إن قبل الزيادة العارضة يكون أولى من غيره، فذلك مخالف لما أطبقت عليه كتب المذهب من متون وشروح وفتاوى وفيه الفساد وضياع الأوقاف، حيث إن بقاء الوقف بيد مستأجر واحد المدة الطويلة يؤدي به إلى دعوى تملكها، ثم إنهم منعوا من تطويل الإجارة في الوقف خوفاً من ذلك (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015