ومذهب الحنابلة أن الإجارة الطويلة جائزة على الأصل في الإجارة إذا كانت في المدة التي تبقى إليها العين غالباً وإن كثرت. واستدل ابن قدامة لهذا الأصل بقوله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] ، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقم على نسخه دليل. قال ابن قدامة: وما جاز لسنة جاز لأكثر منها والتقدير بسنة أو ثلاث، تحكم لا دليل عليه.
وصرح ابن تيمية في فتاويه أن ذلك يجري في الوقف، قال: إن كان الوقف على جهة عامة جازت إجارته بحسب المصلحة، ولا يتوقف ذلك بعدد. وكذلك قال صاحب مطالب أولي النهى ونسبة إلى الرعاية والمغني وأنهم قالوا: بل الوقف أولى بجواز الإجارة الطويلة. وذكر ابن قيم الجوزية وبين مفاسد الإجارة الطويلة في الوقف كما بينها أصحاب المذاهب الأخرى، لكن لم يصرح ببطلانها حيث لم يشترط الواقف امتناعها (?) .
حكم التحكير في الوقف وشرط جوازه: ذهب أكثر العلماء إلى جواز التحكير في الأحباس سواء اشترط الواقف منعه أم لا؟ وذلك لما في منعه من ضرر على أرض الوقف لأنه يغل يد الواقف أو الناظر في التصرف في الأرض واستغلالها، ولكن ذلك بشروط:
1-أن يكون الوقف قد تخرب وتعطل انتفاع الموقوف عليهم به بالكلية.
2- ألا يكون للوقف حاصل يعمر به.
3- ألا يوجد من يقرض الوقف القدر المحتاج إليه بأقل من أجر تلك المدة. وزاد الحنفية: أن لا يمكن استبدال الوقف بعقار ذي ريع.
فإذا توفرت هذه الشروط جاز إيجاز الوقف مدة طويلة لمن يبنيه أو يغرس أرضه لأنه تعين طريقاً للانتفاع بالوقف. ولم ينظر أصحاب هذا القول إلى احتمال تملك الوقف لأنه موهوم، فلا ينظر إليه عند وجود الضرر المحقق (?) .
القول الثاني: أنه جائز مطلقاً وهو مذهب الحنابلة وجمهور الشافعية، إلا أنه إن كان الواقف قد منع الإجارة الطويلة امتنع، إلا إذا حصلت الشروط المذكورة آنفاً.