لذا ولرفع الضرر وجدت إدارة الملكية العقارية التي تنص على ملكية أصحابها في دفاترها، وذلك حفاظاً على أملاك الناس، ودفعاً للشغب. ومذهب المالكية كمذهب الحنفية: لا يجوز كراء الوقف لمدة طويلة، ففي الحطاب: الحبس إن كان على معينين كبني فلان، فلناظر أن يكريه سنتين أو ثلاث سنوات لا يكريه أكثر من ذلك، فإن وقع الكراء في السنين الكثيرة فعثر على ذلك وقد مضى بعضها فإن كان الذي بقي يسيراً كالشهر والشهرين لم يفسخ، وإن كان أكثر من ذلك فسخ، ونقل الحطاب عن البرزلي عن نوازل ابن رشد في وقف أكرية خمسين عاماً إن وقع الكراء لهذه المدة على النقد (أي تعجيل الأجر) فسخ. وفي جوازه على غير النقد قولان، الصحيح عند البرزلي المنع. وهذا في الحبس على تعيين الأفراد، أما الحبس على المساجد والمساكين وشبهها فلا يكريها الناظر لأكثر من أربعة أعوام إن كان أرضاً ولا أكثر من عام إن كانت داراً، وهو عمل الناس ومضى عليه عمل القضاة، فإن أكري أكثر من ذلك مضى إن كان نظراً (أي لمصلحة) ولا يفسخ.

وقد علل المالكية منع الإجارة الطويلة بنفس ما علل به الحنفية في الوقف وهو خوف اندراسه إذا طال مكثه بيد مكتريه (?) .

وذهبت الشافعية إلى جواز تأجير العين إلى مدة تبقى إليها غالباً ما لم يخالف شرط الواقف لأن شرط الواقف كالنص، فلا تجوز مخالفته، وعليه فتؤجر الأرض مائة سنة أو أكثر لا فرق بين الملك والوقف، وتؤجر الدار ثلاثين سنة والثوب سنة أو سنتين. وفي قول لا يزاد على سنة (?) . وقال ابن حجر الهيتمي: إنما تجري الإجارة الطويلة في الوقف إن وقع وقف للحاجة والمصلحة لعين الوقف. واصطلاح الحكام على أنه لا يؤجر أكثر من ثلاث سنين لئلا يندرس استحساناً منهم، قال ابن حجر: وإنما اشترطنا ذلك لفساد الزمان بغلبة الاستيلاء على الوقف عند طول المدة، ولأن شرط إجارة الوقف أن يكون بأجرة المثل وتقويم المدة المستقبلة البعيدة صعب، أي لتغير الأسعار وطروء الرغبات غالباً، وأيضاً فيها منع الانتقال إلى البطن الثاني وضياع الأجرة عليهم إذا كانت معجلة.

وبين ابن حجر أن قضاة الشافعية مالوا في ذلك إلى مذهب أبي حنيفة لأنه أحوط، ونقله عن السبكي وغيره، وبين أن مجرد زيادة الأجرة على أجرة المثل لا يسوغ الإجارة الطويلة في الوقف، وقال: وألحقوا بأرض الوقف في ذلك أرض اليتيم (?) ، وكلامه هذا ضمن رسالة أفردها لذلك سماها (الإتحاف ببيان حكم إجارة الأوقاف) (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015