وجوز بعضهم كأبي جعفر الثلاث ومنع فيما زاد على ذلك. وفصَّل حسام الدين المعروف بالصدر الشهيد بين أراضي الضياع (أي الزراعة) فأفتى بالجواز في ثلاث سنين إلا إذا كانت المصلحة في عدم الجواز، وفي غير الضياع أفتى بعدم الجواز، إلا إذا كانت المصلحة في الجواز في الواقع أمر مختلف فيه باختلاف الزمان والمكان، لذا قال صاحب الدر المختار بهامش ابن عابدين: ولو أجرها المتولي أكثر من ذلك لم تصح الإجارة وتفسخ.

وفصل بعضهم تفصيلاً آخر فقال: إن كانت الأرض تزرع في كل سنة فلا يؤجرها أكثر من سنة، وإن كانت تزرع في كل سنتين مرة لا تؤجر لأكثر من سنتين وإن كانت لا تزرع إلا في كل ثلاث سنوات لا تؤجر لأكثر من ثلاث.

ومرجع هذه الأقوال وهذه الفتاوى عند الحنفية تحقيق المصلحة من جهة، وصيانة الأوقاف من الضياع بدعوى الملكية بطول المدة من جهة أخرى، يتصرف فيها تصرف المالك في ملكه مع طول الزمان متوالياً ولا مالك يعارضه ويزاحمه يظنه الرائي بتصرفه الدائم مالكاً ويشهد له به إذا ادعاه، ولا مصلحة للوقف في أمر يدعو إلى الإضرار بالملكية وهو ضرر بين، ودفع الضرر متعين لقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار.

ومن أجل هذا جرت الفتيا على إلحاق أرض اليتيم بأرض الوقف في هذا الحكم فلا تؤجر أكثر من ثلاث سنوات. وقد ألحق بعض العلماء أراضي بيت المال بالوقف، نقله ابن عابدين عن حاشية الرملي ووافقه صاحب الفتاوى الحامدية.

أما قدماء الحنفية فأجازوا إجارة الوقف للمدة الطويلة، ولكن المفتى به قول المتأخرين وهو التوقيت إلى غاية ثلاث سنين خوفاً على ضياع الوقف عن أهله كما صرح بذلك ابن عابدين.

ورأى بعض متأخري الحنفية أن ناظر الوقف إن احتاج أن يؤجر الوقف إجارة طويلة فالحيلة له في ذلك: أن يعقد عقوداً فيكتب: استأجر فلان بن فلان ثلاثين عقداً، مثلاً، كل عقد على سنة من غير أن يكون بعضها شرطاً في بعض، فيكون العقد الأول لازماً لأنه ناجز وما بعده لا يلزم لأنه مضاف، وإنما تلزم كل سنة إذا دخلت (?) . وكل هذا خوفاً من ضياع الحبس على أهله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015