وأما دليل الوقف من السنة فأحاديث صحاح كثيرة منها ما رواه عبد الله بن عمر، قال: أصاب عمر أرضاً بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضاً بخيبر، لم أصب قط مالاً أنفس عندي منه، فما تأمرني فيها؟ فقال: ((إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، غير أنه لا يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يوهب، ولا يورث)) ، قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها، أو يطعم صديقاً بالمعروف غير متأثل فيه أو غير متمول فيه (?) ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) (?) .
ومن السنة الفعلية وقف الرسول صلى الله عليه وسلم لأراضي (مخيريق) الذي كان يهودياً ثم أسلم، وقاتل مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، وقال لقومه عند خروجه للغزوة (إن أصبت مالاً فمالي لمحمد يصنع فيه ما يشاء) . ثم خرج فقاتل حتى قتل، فقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مخيريق خير يهود)) وجعل أملاكه وقفاً، وهي عبارة عن سبعة بساتين بالمدينة (?) .
يأتي –بعد ذلك- إجماع الصحابة على العمل بالوقف حيث وقف سيدنا أبو بكر رباعاً له بمكة، ووقف عمر أرضه بخيبر التي سلفت الإشارة إليها، ووقف عثمان أموالاً له بخيبر، وعلي أراضيه (بينبع) التي بلغ ناتجها في ذلك الزمن ألف وسق، كما وقف الزبير بن العوام ومعاذ بن جبل، وبعض زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وسعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، وجابر بن عبد الله، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن الزبير، وهكذا تتابع الصحابة في الوقف حتى قال جابر: (لم أعلم أحداً كان له مال من المهاجرين والأنصار إلا حبس من ماله صدقة مؤبدة لا تشترى أبداً ولا توهب ولا تورث) (?) .