التعقيب والمناقشة
الشيخ عكرمة صبري:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأخ الرئيس؛
الأخوة الأفاضل؛
العلماء الأكابر؛
إن موضوع العلمنة هو أصلًا موضوع وافد من الغرب، وإذا أردنا الاختصار نقول: إنه مشروع غربي يقصد منه السيطرة على العالم ليس إلا، واحتواء الدول التي تعتبر من دول العالم الثالث. لقد كانت العلمنة رد فعل تجاه ممارسات رجال الدين المسيحي الذين استأثروا بالسلطة الروحية والسياسية معًا. ولم يكن للدين المسيحي نظام شامل لمناحي الحياة، وبالتالي فشلوا في إداراتهم لشؤون السلطة فظهرت بعد ذلك أسواق متعددة للتحرر من سيطرة رجال الدين المسيحي.
وابتكر الغربيون الديمقراطية، أي حكم الشعب بالشعب من الشعب بديلًا عن النظام (الثيوقراطي) الذي كان متبعًا في الكنيسة، إذ لا وساطة بين الإنسان وخالق الإنسان من الإنسان، فالناس يحلون مشكلاتهم بأسلوب جمعي، اتفقوا على تسميته (بالديمقراطي) ووضعوا له مجالس نيابة منتخبة ومؤسسات ونقابات تدعمه وتردفه بالخبرات والمعارف، لكن هذا النظام الديمقراطي لم يستطع أن يحدد لنفسه إطارًا معرفيًّا، إذ قام الشيوعيون بتبني النظام الديمقراطي، وقام الرأسماليون بتبنيه أيضًا على ما بينهما من تصادم، فكل نظام أخذ يفسر الديمقراطية على ضوء معرفته ونظريته للحياة.
وقد نهض مفكرون غربيون ينقضون هذا النظام ويقولون: إن إبعاد الدين عن الحياة إنما يعني إبعاد الرقيب الداخلي للإنسان في الإنسان عن مجال عمله وتحويله إلى حيوان غريزي لا هَمَّ له سوى الارتواء من الملذات، ويرون أن الخواء الروحي قد ولد عند الغربيين شعورًا بالتفاهة، مما جعلهم ينظرون إلى الحياة، حياة الإنسان باستخفاف، فأقدم شبابهم على الانتحار، وأقبل ساستهم على استعمار الشعوب الأخرى وإذلالها، ونهب خيراتها، وكانت هناك جرائم ما عرفتها البشرية بهذه الكثرة، إذ قام الغرب على سبيل المثال بقتل الملايين من الأفارقة خلال حملات الاستعمار للقارة السوداء، إذ كان كل من يخالف الرجل الغربي الأبيض يلقى في البحر حتى تأكله أسماك القرش، وكل من كان يمرض أو يصاب بوعكة كان يجري التخلص منه بإلقائه في البحر، وجرت باسم الديمقراطية أكبر عملية استعباد في التاريخ حيث تحولت القارة الآسيوية والأوربية وقارة أستراليا إلى قارات مستعمرة، وجرى قتل كل من يقاوم الرجل الأبيض، ففي أستراليا تمت إبادة كل سكانها الأصليين تقريبًا، وهذا ما جرى للسكان الأمريكيين الأصليين الذين سُموا بالهنود الحمر، ناهيك عن فترات الاستعمار الطويلة لآسيا وإفريقيا.