النقطة الثالثة: مسألة أن العقل يسبق الوحي. الحقيقة أن العقل هو الجسر الذي يعبر عليه الإنسان من سجنه الذاتي إلى الإيمان بالخارج ومنه إلى الإيمان بالله تعالى وبالحقيقة من وجوب المطلق. العقل يوصل الإنسان إلى الله بلا ريب ولكنه سراج يوصل الإنسان إلى الحقيقة الكبرى. وإذا أردنا أن ننزل البحث إلى مستوى التمثيل فإن العقل سراج يوصل الإنسان إلى منظار ينظر منه إلى الكون كله وإلى الوجود كله، فهل نستغني بالسراج الذي يدلنا على المنظار العظيم عن المنظار؟ المنظار الحقيقي الذي يكشف لنا الكون بكل أبعاده وكل العلاقات، وكل هذه الأمور يجب أن تكون لدى المشرع حتى يستطيع أن يبني النظام الاجتماعي. أيضًا هذه مغالطة كبيرة جدًا في قضية أن العقل هو الذي يدلنا على الله، فإذن نرجع إلى العقل. العقل سراج وظيفته أن يوصلنا إلى الله، إلى الدين وإلى الحقيقة، أما الدين فهو النظرة العامة إلى الكون كله. وهذه أيضًا سر المغالطة في هذه الفكرة وأعتقد أننا لا نستطيع أن نكتفي - كما قلنا - بالمصباح عن المنظار العظيم أو عن الرؤية الضخمة التي يفتحها إيماننا بالدين.

النقطة الرابعة: مسألة النصوص. هنا أيضًا أمام العلماء لا يمكن البحث فالنصوص حُلت مشكلتها، هناك إطلاقات وهناك أصول الفقه توضح الإطلاقات والتقييدات والعموميات والتخصيصات والعلاقات بين هذه الإطلاقات. ليست هناك مشكلة. علماؤنا في علم أصول الفقه حلوا كل ما يمكن أن يطرح من سؤال حول الإطلاقات وحول العموميات ولا يمكننا أن نقول يجب أن نفتح مجالًا للاجتهاد في مقابل النص. معنى النص أنه لا يحتمل التغيير. معنى (نص) أنه لا يحتمل الخروج عليه، ومعنى الاجتهاد في مقابله يعني رفض النص ومحق النص.

أعتقد أن علماءنا حلوا مشكلة النصوص بأروع ما في أصول الفقه ولذلك نركز على علم أصول الفقه.

أيها السادة: أنا أعتقد أن الإنسان لن يكون متفقهًا - لا أقول فقيهًا - إلا إذا برع في علم أصول الفقه واستطاع أن يقف على كل أبعاد هذا العلم في مباحث ألفاظه، وفي مباحث المفاهيم، وفي مباحث المشتقات، وفي مباحث الحجية، وفي مباحث التعارض والتعاود والتراجيح. يجب أن نعمق هذا العلم حتى لا تأتي من هذه الشبهة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015