وتخوفت الأوساط العلمية في أن هذه الخطوة الأخيرة وهي تجربة استنساخ النعجة (دولي) قد تفتح الباب أمام قضايا بيولوجية وأخلاقية ودينية شائكة، ولهذا صدرت ردود فعل دينية وعلمية وسياسية واسعة النطاق على المستوى العالمي، واتخذت إجراءات للحد من هذه التجارب إذا حاولت تجربة الاستنساخ على البشر، وقدمت مشروعات بقوانين لمنع هذا الأمر وتحريمه في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول التي لها مراكز أبحاث متخصصة في علم البيولوجيا وعلم الوراثة، مع أننا كلنا نعلم أن الإسلام يشجع البحث العلمي ولا يقف حجر عثرة أمام التقدم العلمي، ونعلم أن تجربة استنساخ النعجة (دولي) قد أثارت ردود فعل دينية وعلمية، وإذا تعالت صيحات الفزع من جهات متعددة للحد من هذه التجارب إنما كان ذلك لما اتجه إليه تفكير الباحثين لمحاولة تجريب الاستنساخ على البشر، خوفًا من عواقبه الوخيمة، ولا يعتبر هذا موقفًا ضد العلم أو ضد التقدم العلمي، لأن الإسلام يبارك العلم، والله تعالى يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، ولا يمكن أن يقف الإسلام ضد العلم ما دام مسخرًا في الخير وفي خدمة الإنسان والمجتمعات البشرية ووسيلة اكتشاف قوانين الله في هذا الكون، فالإسلام يحث على كل تقدم علمي نافع مفيد، والله تعالى يقول: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} .
وكثيرًا ما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه قائلًا: ((اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، وأعوذ بك من علم لا ينفع)) ، وقد منح الله - تبارك وتعالى - العقول لخلقه لكي يتفكروا وينظروا إلى الكون وما فيه من دلائل عظيمة على قدرته، قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، وبهذا يمكن القول بأن الاستنساخ إذا كان في النبات والحيوان أو مما يوفر وسائل طبية علاجية فيما كان قبل مستعصيًا على الإنسانية، فلا معارضة فيه لأنه ثمرة التقدم الطبي المخبري الذي ما تزال تصرف من أجله أموال ضخمة لاستئصال بعض الأمراض المستعصية ولتتمة الطب الوقائي في العلم، كما أن هذه التجربة ستكون فائدتها عظيمة في الميدان الفلاحي كتوفير الماشية وتحسين الزراعة والتطور في مجال الهندسة الجينية، والمعرفة الدقيقة لخصائص المورثات الصبغية ستجنب الكثيرين أمراضًا كالصلع وتساقط الشعر، كما يساعد على إصلاح علوم الجينات الوراثية , وفي هذا الميدان يقف الإسلام جنبًا إلى جنب مع التقدم العلمي ما دام لتوفير إنتاج ينفع الناس والبشرية، والإسلام يفرق بين الخلق والتخليق، فالخلق لله عز وجل، والتخليق أو التكوين أو الاختراع يستطيعه الإنسان بواسطة ما خلق الله، فالإنسان لم يخلق المادة الحية ولم يخلق الخلية، ولم يخلق البييضة، ولكنه استطاع أن يستخدم هذه المواد حسب طرق معينة موصلة إلى هذه النتائج، والإسلام يفتح باب ذراعيه للعلم.
حكم الاستنساخ البشري: إن جملة ما تقدم ذكره في هذه الدراسة يبين بكل وضوح أن عملية الاستنساخ البشري هي مخالفة للمبادئ الأساسية التي قام عليها التشريع الإسلامي في تكوين المجتمع الإنساني، ودفعت علماء الشريعة إلى رفع أصواتهم بتحريم الاستنساخ البشري لاعتبارات متعددة.