الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد:
لقد هز موضوع الاستنساخ جوانب الحياة العلمية العالمية والإسلامية الموضعية في كل بلد وفي كل مكان، وكثرت الندوات والمحاضرات والتعقيبات وظهرت بعض المؤلفات، وكان منها ما أسهمت به في سورية، حيث طبع كتاب يجمع بين جميع النواحي المتعلقة بالاستنساخ من الناحية النفسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والتربوية والإسلامية، وعقدت ندوات ومحاضرات في رحاب الجامعة عندنا في دمشق وكان حصيلة هذه المحاضرات والندوات ما يلي:
أولًا: الاستنساخ ليس هو خلقًا جديدًا، وإنما هو بترجمته الدقيقة (إعادة للخلق) ، فهو كما أشار الأخوة فعلًا ليس مما يتنافى مع تفرد الله بالخلق والإبداع والابتكار لأن الاستنساخ يعتمد على أخذ خلية من خلق الله ثم إجراء تعديلات عليها بتسليط عوامل فيزيائية وكيميائية بحيث تبطل مفعول بعض مدلولات الخلية وتنمي البعض الآخر حتى تظهر بشكل معين.
ثانيًا: الاستنساخ في الحقيقة ينبغي أن نفرق بينه وبين الهندسة الوراثية، فالهندسة الوراثية في عالم النبات وتهجين النباتات، وكذلك تهجين الحيوان، هذا في الواقع أمر ربما يكون مقبولًا بشرط عدم تحقق الضرر منه، وأما الخطر فهو في الإنسان، فالاستنساخ الذي هو الهندسة الوراثية في النبات والحيوان وتلافي آثاره الضارة وإيجاد بدائل جيدة تكون في خير الإنسان.
ومنه أضرار كثير من الأمراض التي تهدد حياة الإنسان والتي بإمكان الهندسة الوراثية أن توجد نوعيات متفوقة وكثيرة، ففي الواقع الهندسة الوراثية في عالم النبات والحيوان أمر جائز، بشرط ألا يكون هناك شيء من المردود السلبي أو الإضرار الذي يلحق بالإنسان إذا أخلص العلماء في بيان هذه السلبيات، ومن هنا يمكن أن نكون مع هؤلاء الذين يتحدثون عن الاستنساخ، وأنه إذا لم يتحقق منه الضرر بصحة الإنسان وكان في خير الإنسان بحسب ضوابط الشريعة التي جاءت لتحقيق الخير والنفع والمصلحة ومدافعة كل ألوان الفساد والضرر والإساءة بالإنسان.
في ضوء هذا المعيار حينئذ يمكن أن نقول إلى حد ما بأن الهندسة الوراثية لا مانع منها شرعًا.
وبناء على ذلك فلا يصح، نحن نتكلم في حدود ما عرضه العلماء وفي حدود ما قرروه، نحن لسنا ضد العلم إطلاقًا، ونحن دائمًا مع العلم، ولسنا كما يزعم بعض الصحفيين أن المفتين الإسلاميين يتسرعون في الفتوى، ولسنا أيضًا مع فضيلة الأخ الشيخ تقي أنه يجب أن نكون من فريق الواقفية أو الحياد لننتظر النتائج المرتقبة، لأن العالم يريد أن يكون لنا رأي في الموضوع وخصوصًا أن الأفكار اهتزت من الناحية الدينية حول هذا الموضوع، فلم لا يكون لنا كلمة تطمئن الناس وأن ذلك في الحقيقة لا يتنافى مع العقيدة الإسلامية؟ فإذن في مجال الهندسة الوراثية الاستنساخ أمر مقبول بشرط عدم الضرر وتحقيق النفع للإنسان.