أما فيما يتعلق بالإنسان وكما ذكرت في بحثي الذي طبع في دمشق بينت أن الاستنساخ في الحقيقة يتنافى مع مبدأين أساسيين في الخلق الإلهي خلافًا لما كرره وذكره الصحفيون أن هذا تغيير وتبديل لخلق الله، واستشهدوا جميعًا بالآية التي هي من تحريض الشيطان لتغيير خلق الله، هذا كله في الحقيقة لا يمس حقيقة الاستنساخ وإنما الذي يتصادم مع مبدأ الخلق الإلهي أمران نص عليهما القرآن الكريم:

الأمر الأول: قضية التوازن بين الأشياء {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن:1 - 7] ، فالأشياء كلها تخضع لميزان إلهي ونسبية دقيقة، الله جل جلاله أراد من تلك الأمور النسبية تحقيق مصلحة البشرية ودوامها وتحقيق الخلود والبقاء والاستمرار لها بحسب علم الله وتقديره.

فالاستنساخ الذي يعني إحداث صور متشابهة والتطور العلمي، يقولون بأنه يمكن أن يتحول الاستنساخ إلى آلة طابعة يطبع بشرًا بعد التحكم في قضايا الخلايا، وحينئذ لا يحتاج لا إلى الرحم ولا يحتاج لشيء مما سمعناه من السادة الأساتذة الذين تحدثوا في الموضوع، وإنما القضية أخطر من هذا بكثير، ولذلك نجد هناك اهتمامًا دوليًّا، فبعض الدول منعت فعلًا التورط في مسألة الاستنساخ البشري، فلسنا نحن أقل من هذه الدول أن نحكم على ما هو موجود، أما أن ننتظر النتائج ونتفرج على الأحداث فهذا في الحقيقة يثير فتنة دينية لدى الوسط الإسلامي.

هذا المبدأ - مبدأ التوازن بين الأشياء - يتنافى مع حقيقة الاستنساخ ومخاطره وأوضاعه التي تؤثر في صميم جميع النسب الإنسانية والاجتماعية في الخلق الإلهي.

الأمر الثاني: الذي يتنافى مع الاستنساخ هو القضية الكبرى وهي أن الاستنساخ في الواقع ما هو إلا عبث بالأشياء، وأن إحداث التشابه بين الموجودات فيه خطر على الإنسان نفسه، والله سبحانه وتعالى يقول {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} .

هذا هو سر الحياة في أن نعرف الجمال مع القبيح والأسمر والأبيض والطويل والقصير، والقضايا في هذا العالم لنتمكن من أن نسهم في الحياة الاجتماعية، وإلا كما قلت في بعض التعقيبات على بعض المحاضرات لو أننا أوجدنا سبعين رجلًا بصورة متشابهة وامرأة تزوجت واحدًا من هؤلاء، كيف تفعل بعلاقتها مع هذا الرجل؟ أيهم زوجها؟ والعكس أيضًا إذا تزوج رجل امرأة من سبعين امرأة متشابهات كيف يفعل؟ كيف تتم العلاقة الاجتماعية؟ كيف يمكن ضبط الجرائم؟ كيف يمكن ضبط قضايا المصنع والمعمل والمتجر والوظيفة إذا حدث هذا التشابه؟ فإن الاستنساخ يتصادم مع أصالة القرآن في اختلاف الألسنة والألوان وهذه من آيات الإبداع الإلهي. فإذن وجود التشابه هو في الحقيقة فكرة راودت هتلر ليوجد نوعيات من الجنود المتفوقين في الحرب العالمية الثانية ومن أجل أن يقوموا بإحداث أعمال الشغب ولا يمكن أن يعرف شخص من شخص آخر، فإذن تهتز كل عوالم الحياة وكل أنظمتها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والحياة الزوجية والأسرية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015