* * *

التعقيب

التعقيب

الشيخ نزيه حماد

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد اتضح من البحوث والدراسات المقدمة من العلماء الأجلاء في موضوع الاستنساخ أن معناه والمراد به تكوين مخلوقَيْن أو أكثر كل منهما نسخة إرثية من الآخر، وأنه نوعان أحدهما ما يسمى بالاستنساخ الجديد أو الاستتئام أو شق البييضة، ويبدأ بييضة مخصبة أي بييضة دخلها حيوان منوي تنقسم إلى خليتين، فتحفز كل منهما إلى البدء من جديد وكأنهما الخلية الأم، وتصير كل منهما جنينًا مستقلًا وإن كان متماثلين في صدورهما عن بييضة واحدة، وعلى ذلك فإذا أودع الجنينان الرحم فإن السيدة تضع توأمين متطابقين لأنهما نتاج بييضة واحدة.

وقد ذكر بعض الباحثين أن طريقة الاستتئام هذه يمكن أن تسهم في علاج حالات العقم التي تحتاج إلى تقنية أطفال الأنابيب، وأنها تتيح الفرصة لتطبيق الوسائل التشخيصية على أحد الجنينين أو خلايا منه، فإن بانت سلامته سمح أن يودع الحمل الرحم، ومع أن هذه الطريقة من حيث المبدأ يتحقق فيها التلقيح كما هو الحال في أطفال الأنابيب فإن آثارها ونتائجها وما تجلبه من مصالح راجحة أو مفاسد راجحة لا تزال حتى الآن مجهولة، ومن أجل ذلك يتعسر البت حاليًا في حكمها الشرعي لتوقف صحة النظر الفقهي على استكمال أمور خفية أو غامضة متعلقة بها، وهذا كله إذا وقعت في إطار عقد الزواج الشرعي بين بييضة الزوجة ومني الرجل، أما إذا وقعت خارجه فهي محظورة من حيث المبدأ والأساس.

أما النوع الثاني من الاستنساخ العادي الذي لا يعتمد على الخلايا الجنسية وإنما يكون بوضع نواة خلية جسدية داخل غلاف بييضة منزوعة النواة ثم تتكاثر الخلية الناتجة إلى جنين هو نسخة إرثية تكاد تكون طبق الأصل من صاحب الخلية الجسدية، وهذا النوع من الاستنساخ كما تبين من البحوث المقدمة تكتنفه مخاطر ومحاذير كثيرة ورهيبة إن دخل حيز التطبيق والممارسة، ومن أبرزها العدوان على ذاتية الفرد وخصوصيته وتميزه بين طائفة من أشباهه، وكذا خلخلة الهيكل الاجتماعي المستقر والعصف بأسس القرابات والأنساب وصلات الأرحام، والهياكل الأسرية المتعارف عليها على مدى التاريخ الإنساني والتي أقرتها الشريعة الإسلامية وسائر الأديان الربانية، واعتمدتها أساسًا للصلات بين الأفراد والأسر والعلاقات في المجتمع كله، بما في ذلك من انعكاسات على أحكام القرابات والزواج والمواريث وكثير من التشريعات المدنية والجنائية وغيرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015