إن قرننا هذا هو قرن الزلازل، فما إن انتهى النصف الأول حتى فجر العلماء ما خلق ليكون ملتئمًا، فجروا الذرة، فكان للفيزياء الدور الرائد، وتسابق رجال السياسة للبذل السخي على تطوير البحوث والتجارب وخزنوا من قوة التدمير ما يكفي لإفناء الأرض وما عليها مرات متوالية.
ويكفي أن يتسرب حتى الشعاع من مفاعل ذري - قالوا إنه للسلم والحياة المدنية السهلة - حتى يقضي على الحياة.
وما أن استيقظ العالم مما جرفتنا له العلوم الفيزيائية حتى قامت العلوم البيولوجية تأخذ صدارتها في نهاية هذا القرن، مؤذنة بانهيار كل القيم الإنسانية، سواء تعلقت بكرامة الإنسان أو بالأصول التي يقوم عليها الترابط الاجتماعي أو بالمشاعر والعواطف التي كانت لُحمة النسيج الرابط بين البشر.
وما الذي يمنع العلماء في مخابرهم من القيام بهذه التجربة؟ إن الستار الحديدي أطلق تجوزًا على العالم الشيوعي إبان الحرب الباردة، ولكن الستار الحديدي الذي أحكم عزله عن العالم الخارجي هو المخابر، لا يقل حرص الشركات عن حرص الدول على صيانتها عن الأسماع والأبصار، وتقوم فرق حماية التجسس في كل دولة على هذه المخابر حتى لا يتأتى اختراقها لأحد، ويكاد الظن بها والاحتياط ومحاولات التجسس من ناحية أخرى لا تختلف بين الدول المرتبطة بأوثق الروابط الاقتصادية والدفاعية وبين الدول التي تقوم علاقتها على أخذ الحيطة لكل واحدة من الأخرى.
إن هذه الأسوار العازلة للمخابر وما يجري في عوالمها الداخلية، وسلطان السبق للأسواق والاستئثار بما يدره الجديد من أرباح مما يزيد الأمر خطورة وتعقيدًا.