وليس اشتراط التسمية عند التذكية إلا لحكمة بالغة يجب أن لا تعزب عن المسلم، فإن الحيوان المذكى كائن ذو روح يحب الحياة والراحة ويكره الموت والألم بطبعه، والإقدام على ذبحه إزهاق لروحه وتنغيص لراحته وتفويت لحياته وماله فيها من متع، فلو لم يأذن به الله خالقه ومالكه لكان عدوانا وأي عدوان، إلا أن الله سبحانه الذي له الخلق والأمر، والذي جعل الإنسان خليفة في الأرض وسخر له ما سخر من منافعها ومنافع ما فيها أباح له هذا التصرف فأصبح أمرا مشروعا عندنا يأتيه من بابه ويقدم عليه بإذن من ربه، وليس هذا الذكر المشروع إلا إعلانا منه بأنه ما كان صنيعه هذا اتباعا لهواه وعدوانا على ما خلق الله سبحانه وإنما هو استجابة لداعي الله تعالى الذي يحثه على الانتفاع بالطيبات ويمنعه من تحريمه على نفسه، فالذكر إذن هو الذي يضفي على عمله هذا صفة الشرعية ويصبغه بصبغة التعبد وينأى به عن تبعات الظلم والتعدي ويرفعه إلى درجات القربات، وحسبكم أن الذبح قرنه النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة والقبلة عندما قال: ((من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو مسلم)) (?) فلا غرو مع ذلك كله أن أغلظ القرآن حكم ترك التسمية على هذا الأمر التعبدي، فزجر عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه إلى حد إعلان أنه فسق، لأنه بلا ريب خروج عن طاعة من له الطاعة، والفسق أصلا هو الخروج.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015