وأما ما عول عليه أصحاب القول الثاني- وهم الذين فرقوا بين حالتي العمد والنسيان- في إسقاط حكم المنع عما إذا كان ترك الذكر نسيانا من الاستدلال بحديث "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " وبأن الناسي لا يفسق حتى يقال {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فمدفوع بأن الآية ما جاءت بصيغة النهي عن الذبح بدون ذكر اسم الله، بل جاءت بصيغة النهي عن الأكل مما لم يذكر عليه اسم الله، فإن استيقن أحد أن لحما ما ذبح ولم يذكر عليه اسم الله عمدا أو نسياناً فأقدم على أكله فإنما يقدم على مخالفة نهي عن عمد فيصدق عليه أنه مرتكب لمنهي عنه؛ نعم لو وجد هذا اللحم بيَدِ من تجوز ذبيحته شرعا ولم يكن يعلم أن ذابحه لم يذكر اسم الله عليه فلن يكون عليه حرج إن أكله استصحابًا لأصل الحل فيه، ولا يصدق عليه في هذه الحالة أنه مرتكب لمنهي عنه.

ومن أمعن نظره في هذه الآيات وغيرها وفي الأحاديث الصحيحة التي ذكرنا جانبًا منها لم يخف عليه أن ذكر اسم الله شرط لصحة الذكاة التي يترتب عليها حل اللحم، والشرط لا يسقطه النسيان لأنه يلزم من عدمه العدم، فهو من خطاب الوضع الذي لا يلتفت فيه إلى عمد أو خطأ أو ذكر أو نسيان، أرأيتم الصلاة وشروطها كالطهارة؟ فإنه لو نسي أحد شيئا منها وصلى لم تكن صلاته صحيحة، اللهم إلا إن استمر على نسيانه فإن الناسي معذور، لكنه لو قام إلى صلاته وهو متلبس بحدث أصغر أو أكبر فتذكر قبل دخوله فيها لم يكن له أن يدخل وهو بتلك الحالة، أو بعد الدخول لم يكن له أن يستمر على صلاته، فإن خالف كان مؤاخذا بعمده لأنه مضيع لفرضه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015