وعزا ابن هشام في المغني (?) والسيوطي في الهمع (?) إجازته إلى الصفار تلميذ ابن عصفور وجماعة، وإن الصفار استدل له بقول الشاعر:
وقائلة خولان فانكح فتاتهم وأكرومة الحيين خلو كما هيا
وأما دعوى أن الآية في الميتة تعويلا على حديث ابن عباس فهي مبنية على الأخذ بخصوص السبب وإلغاء ما يدل عليه عموم اللفظ من شمول الحكم لما هو خارج سببه، وهي مخالفة صريحة لما استقر عليه جمهور الأصوليين والفقهاء من أنه لا عبرة بخصوص السبب مع عموم اللفظ، وفي هذا ما يكفي لدحض هذه الدعوى فضلا عن كون الرواية نفسها غير صحيحة، وذلك من وجوه:
أحدها: أن اليهود لا تستحل الميتة حتى تجادل فيها.
الثاني: أن الآية في سورة الأنعام وهي مكية، والمجادلة بين المسلمين واليهود إنما كانت بالمدينة بعد الهجرة.
الثالث: أن روايات أخرى دلت على أن الذين جادلوا من غير اليهود، فقد أخرج الطبراني من طريق عكرمة عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: لما نزلت {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ، أرسلت فارس إلى قريش إن خاصموا محمدا وقولوا له: فما تذبح أنت بيدك فهو حلال وما ذبح الله عز وجل بشمشير من ذهب فهو حرام؟ فنزلت الآية {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121] وهذه الرواية تدل على أن ما نزل بسبب المجادلة هو آخر الآية، وأن أولها المفيد للمنع نزل قبلها، على أن هذه القصة نفسها بعيدة أيضا، فإن القرآن الكريم إبان نزوله بمكة المكرمة لم يكن صيته يصل إلى بلاد فارس حتى يزعجهم فيكتبوا إلى قريش بهذه المجادلة. وروى الترمذي بلفظ "أتى أناس " ولم يذكر أنهم من اليهود، وكذلك رواه ابن جرير من طرق عن ابن عباس من غير ذكر لليهود، وما من شك أن مع مثل هذا الاضطراب تكون الرواية واهية الحجة.