الرأي المختار:
إن الذي استقر في ذهني- بعد استعراض هذه الأقوال وأدلتها وما يتوجه إلى كل منها من إيراد ودفع- أن من تجرد في هذه المسألة من جميع العوامل النفسية، وأسلس القيادة للدليل وحده لا يرتاب في أن القول الأول هو أصح هذه الأقوال وأعدلها وأبينها حجة وأوضحها محجة، ولو لم يكن عليه من دليل إلا قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] لكن، كيف والأدلة تكتنفه من كل جانب.
أما ما تشبث به معارضوه من أن الآية مقيدة بجملة حالية وهي قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ، فيجري حكمها في قيدها، ويحمل على ما أهل به لغير الله، لأنه المنصوص عليه أنه فسق في العديد من الآيات؛ فهو تشبث بما لا طائل تحته، لأنه مبني على أن جملة " وإنه لفسق " حال؛ وهو متعذر لأمرين: تأكيدها بأن واللام، والعطف عليها بما يتعذر حمله على الحال في قوله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] ، فإن كل ذي ذوق ليدرك أنه لا معنى لتقييد النهي بحال وحي الشياطين إلى أوليائهم بمجادلة المؤمنين في هذا الحكم، والعطف بين الجمل يفيد اشتراكها في حكمها، فإن كانت الجملة المعطوف عليها حالا فلابد أن تكون المعطوفة مثلها وتفيد ما تفيده من التقييد، على أن ما ذكروه أمر لا يلتفت إليه الذهن بنفسه عند تلاوة هذه الآية- كما يقول الإمام المودودي-: "إلا إن وطد الإنسان نفسه مقدما على استحلال ذبيحة لم يذكر عليها اسم الله، فإنه عندئذ يتكلف خلع هذا المعنى على الآية". (?)