المبحث الثالث: فيما يذكى به:
ينبغي للإنسان أن يحرص على الرفق بالحيوان حسب وسعه في تذكيته، فيختار له الآلة الأنسب التي تؤدي إلى الغرض مع تخفيف الألم عن المذكى بقدر المستطاع، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)) (?) ، وعلى هذا الأساس يكون اختيار آلة التذكية، وقد وسع الله تعالى لعباده المجال في ذلك ليختاروا بأنفسهم ما يرونه أنسب، كما يدل عليه حديث رافع بن خديج رضي الله عنه عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى، فنذبح بالقصب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر وسأحدثكم عنه، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة)) (?) ، فالحديث أطلق جواز التذكية بكل ما أنهر الدم، إلا أنه استثنى شيئين دل تعليله استثناء أحدهما على استثناء ثالث لهما عندما قال: أما السن فعظم، وهو دليل على عدم جواز الذكاة بالعظام كالأسنان والأظفار، ومع هذا النص الشريف لا أجد داعيا إلى مناقشة ما اختلف فيه الفقهاء من التذكية ببعض الآلات، وبحث اختلافهم في التذكية ببعض ما استثني، وفيما إذا انفصل الظفر والسن، فإن ذلك كله لا يعدو أن يكون اشتغالًا بالإطالة فيما لا جدوى من ورائه، فإن الحديث واضح صريح، إذ أطلق الإباحة في استعمال كل ما يؤدي إلى هذه الغاية ما عدا تلك المستثنيات، ولم يقيد استثناءها بكونها غير منفصلة، وإنما يرجع إلى أهل الخبرة في معرفة الآلات التي يمكن بها قضاء هذا الوطر مع مراعاة الرفق بالحيوان، وإذ جاء نهر الله بطل نهر معقل.