أما مسألة وأد الجنين بسبب ما يتوقع أنه مصاب بهذا المرض من خلال الفحوص والتقارير الطبية فإني أرى في الإقدام على ذلك خطورة. ذلك لأن لهذا الجنين حرمه، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة. وليس هذا القضاء إلا تعبيرا عما للجنين من الحرمة، فكيف يقدم على القضاء على حياة هذا الجنين؟ مع أن هذا الأمر لا يعدو أن يكون ظنيا ولنجعله قطعيا، فنحن لسنا مسؤولين عنه، إذ هذا المرض لم يصب من قبلنا حتى نكون مسؤولين عنه، وإنما الله – تبارك وتعالى – ابتلاه به لسبب اقترفه شخص آخر والله هو الذي يؤاخذ صاحب الجريرة بجريرته. وما هي جريرة هذا الجنين حتى يقضى عليه؟ على أنه من المحتمل بأن تكون هذه الفحوص ليست دقيقة، وهذا وقع كثيرا، فكثيرا ما يقرر الأطباء أمرا ثم تأتي النتيجة بخلافه، وأنا بنفسي جاءني أحد ليزوج أخته على يدي بعدما أصيبت بمرض وقرر الأطباء أنها لن تعيش أكثر من عام ولكن مع ذلك أراد تزويجها لمن اتفقا على أن يزوجها به قبل أن تموت، فتزوجها الرجل وحملت وجاءت بأولاد ولا تزال حية إلى الآن مع أن هذه الدعوة جاءت من أطباء في بلد راقية في الولايات المتحدة الأمريكية. فإذن ما يقوله الأطباء هو مجرد ظن وليس يقينا. فكيف لمجرد ظن يقضى على حياة الجنين.
أما عزل المصاب بهذا المرض فإن ذلك يرجع إلى ما يراه الأطباء من خلال التجارب هل هو معد كالجذام مثلا؟ فإن كان كالجذام فإذن لا بد من العزل، أما إن لم يكن معديا والأصل العدم حتى تثبت العدوى فلا داعي إلى العزل، فإن عزل المصاب مما يزيد في مرضه ويجعله يعيش عيشه كآبة منطويا على نفسه غير محتك ببني مجتمعه، وهذا مما يزيده بلاء فوق بلائه. ومهما يكن من أمر فإن الدعوة إلى التمسك بالفضائل والأخلاق الحصن الحصين، فيجب أن يدعى إلى ذلك في خطب الجمعة، وفي المحاضرات، وفي الصحف، وبواسطة الإذاعة المسموعة والمرئية.
إذ هذا البلاء إنما هو ناتج عن انحراف الأخلاق، والله – سبحانه وتعالى – عندما ذكر قوم لوط وما أصيبوا به قال إثر ذلك: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] وبعدما ذكر الأمم السالفة وما أصيبوا به وما صدر منهم مما هو سبب لهذه الإصابة قال إثر ذلك: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] ، فنرجو أن يوصى بأن تحرص الدول الإسلامية بأن تتمسك بالأخلاق وأن الفضيلة هي مصدر كل خير، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن في هذ بأنه إذا فشت الفحشاء في قوم حتى ظهرت لا بد من أن يصابوا بما لم يكن في أسلافهم من الأمراض والأوجاع. فنسأل الله العافية، وشكرا لكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.