وأحبُّ هنا أن أوجزَ أدلة الجمهور القائلين بالمنع:

فقد استدل الجمهور على وجوب التماثل في بيع الحلى الذهبية بالذهب، وعدم جواز أي زيادة لأجل الصنعة في الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. أما الكتاب فقول الله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، والربا هو الزيادة، ودليل التحريم عام لم يُفرِّق بين المصنوع وغيره. وأما السنة فقد استدلوا بأحاديث كثيرة، منها ما يفيد وجوب التماثل بعمومه، ومنها ما هو نص في الموضوع؛ فأما ما يفيد التماثل بعمومه فقد أوردنا في ثنايا البحث كثيرا منه، ونكتفي بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أبصرت عيناي، وسمعت أذناي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا تبيعوا الوَرِق بالورق، إلا مِثلا بمثل، ولا تُشِفُّوا بعضه على بعض، ولا تبيعوا شيئا غائبا منه بناجز إلا يدا بيد)) . وأما الأحاديث التي تعتبر نصا في الموضوع، فنذكر منها: عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث، قال: قالوا: أبو الأشعث أبو الأشعث. فجلس، فقلت له: حَدِّث أخانا حديثَ عبادة بن الصامت. قال: نعم؛ غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى. فرد الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية، فقام خطيبا فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث، قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه؟ فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015