ويشترط أن تكون صيغة العقد موافقة لمتقضى الشرع حسب ما فصله الفقهاء؛ لئلا يراد منها السوم، ومعرفة السعر فقط، وما شابه ذلك من الحيل التي يتخذها التجار؛ مثل أن يرسل أو فاكسا، لا لغرض التعاقد، بل لمعرفة السعر مثلا، أو إظهار نفاق البضاعة، أو غير ذلك. فحينئذ لا تكون الصيغة بهذه الوسائل صالحة لتكوين العقد.
ثالثا: اتحاد المجلس، وعدم التفرق قبل إتمام عقد البيع، وإن طالت مدة المجلس، ويعتبر مجلس العقد متحدا، ولو لم ير أحد العاقدين الآخر؛ مثل أن يكون الموجب في بلد، والقابل في بلد آخر، كما في مجلس العقد في حالة إرسال رسول، وإرسال كتاب إلى من وجه إليه إيجاب الموجب. فإذا تم العقد بين الموجب والقابل بواسطة التلفون، أو الفاكس، أو البرقية التي تصل في الحال. وقبل الافتراق – وإن كان كل من العاقدين بعيدا عن الآخر – وأرسل المشتري شيكا إلى البائع، بواسطة الفاكس، أو أي وسيلة أخرى طبقت في هذا العصر، أو يتم تطبيقها مستقبلا، وتمثل النقود، أو تكون وسيلة تصرف النقود بها في الحال، وتكون مقبولة عرفا، وغير مخالفة شرعا. واستلم البنك البائع القيمة، وقيد كمية الذهب المشتراة في حساب المشتري لديه، أو سلمها لمندوب المشتري، فالذي أراه أن العقد صحيح؛ لأننا اعتبرنا البائع وكيلا في القبض عن المشتري؛ ولأن الإيجاب والقبول تم بوسائل الاتصال الحديثة؛ ولأن قبض المبيع والثمن تم خلال مدة المجلس؛ إذا لم يرجع الموجب عن إيجابه، وتم قبول القابل خلال مدة المكالمة التلفونية بينهما، أو بعدها، أو خلال استماعه لتوجيه الإيجاب بالراديو، أو التلفزيون، أو الأقمار الصناعية، أو العرض بواسطة شاشات الحسابات الآلية، أو نحو ذلك، إذا كان موجها إلى شخص معين، طبيعي، أو معنوي، والقبول بالفاكس في مجلس وصول الإيجاب إلى من وجه إليه الإيجاب. لأنه ليس المراد من اتحاد المجلس كون العاقدين في مكان واحد، وإنما المراد به اتحاد الزمن الذي يكون المتعاقدان مشتغلين فيه بالتعاقد (?) ، ويكون القبول معتبرا ما دام لم يتخلل بينه وبين الإيجاب ما يعد إعراضا عن العقد من الطرفين. يقول السرخسي: (ولسنا نعني بالمجلس موضع جلوسهما، بل المعتبر وجود القبض قبل أن يتفرقا) (?) . وقال النووي: (ولو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع بلا خلاف) (?) ويقول: (ومذهبنا صحة القبض في المجلس وإن تأخر يوما أو أياما وأكثر ما لم يتفرقا، وبه قال أبو حنيفة وآخرون) (?) .