فإن قيل كيف يجوز شراء الذهب وكل من العاقدين في بلد آخر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه ابن عمر: ((إني أبيع الإبل بالبقيع بالدراهم وأخذ مكانها الدنانير، وأبيع بالدنانير وآخذ مكانها الدراهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفترقا وبينكما شيء)) (?) .
قال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
وقد تضمن قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي نص على جواز إبرام العقود بوسائل الاتصال الحديثة أن هذا لا يشمل الصرف لاشتراط التقابض.
قلنا: إن النهي عن الافتراق الذي تضمنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلة نص عليها الحديث؛ وهي قوله: ((وبينكما شيء)) . يعني لا يجوز أن تفترقا قبل أن يتم القبض من كل منكما؛ لأن القبض شرط لصحة عقد الصرف، وعدم التفرق شرط لتحقق القبض، فإذا تحقق القبض في مجلس العقد على ما أوضحناه، وهو اتحاد الزمن الذي يكون المتعاقدان مشغلين فيه بالتعاقد، دون أن يصدر من أي منهما إعراض عن العقد فقد زال المانع؛ فلم يتفرقا وبينهما شيء.
ومثله حديث عمر: ((والله لا تفارقه حتى تأخذ منه)) يعني أن المانع من المفارقة هو عدم القبض، أما إذا تم القبض بين المتعاقدين في زمان واحد، على أي حال كان، وفي أي مكان فإنه حينئذ يصح العقد، لأن علة النهي انتفت.
ومثله قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة؛ حيث علل المنع من عدم جواز عقد الصرف بوسائل الاتصال الحديثة لعدم القبض. ونحن نقول بهذا؛ لكن إذا أمكن تحقق القبض عقيب إتمام الإيجاب والقبول، وكان العاقدان في الفترة التي تعقبه مشتغلين بعملية القبض وإن طالت فترة المجلس، دون أن ينصرف أي منهما عن مكانه الذي هو فيه؛ فقد زال المانع؛ فصح العقد.