ونقل ابن قدامة عن الإمام مالك رحمه الله قوله: (يقع البيع بما يعتقده الناس بيعا) (?) .
وقال ابن قدامة: (ولنا [يعني الحنابلة] أن الله أحل البيع ولم يبين كيفيته، فوجب الرجوع فيه إلى العرف، كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق) (?) .
وقال النووي: (لو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع بلا خلاف، وأما الخيار فقال إمام الحرمين: يحتمل أن يقال: لا خيار لهما؛ لأن التفرق الطارئ يقطع الخيار، فالمقارن يمنع ثبوته قال: ويحتمل أن يقال: يثبت ما داما في موضعهما فإذا فارق أحدهما موضوعه بطل خياره، وهل يبطل خيار الآخر أو يدوم إلى أن يفارق مكانه؟ فيه احتمالان للإيمان، وقطع المتولي بأن الخيار يثبت لهما ما دام في موضعهما فإذا فارق أحدهما ووصل إلى موضع لو كان صاحبه معه في الموضع عد تفرقا حصل التفرق وسقط الخيار، هذا كلامه والأصح في الجملة ثبوت الخيار وأنه يحصل التفرق بمفارقة أحدهما موضعه وينقطع بذلك خيارهما، وسواء في صورة المساءلة كانا متباعدين في صحراء أو ساحة أو كانا في بيتين من دار، أو في صحن وصفة؛ فصرح به المتولي) (?) .
فيظهر مما نقلناه عن الشافعية أن المتعاقدين لا يشترط فيهما قرب المكان، ولا رؤية بعضهما في صحة العقد.
وممن أجاز عقود البيع بوسائل الاتصال الحديثة من الفقهاء المعاصرين الشيخ أحمد إبراهيم بك؛ والشيخ محمد بخيت المطيعي، مفتي الديار المصرية سابقا، والشيخ مصطفى أحمد الزرقا والدكتور وهبة الزحيلي والدكتور محمد مصطفى شلبي، وغيرهم (?) .
قال الشيخ أحمد إبراهيم: (وأما العقد بالتلفون فالذي يظهر أنه كالعقد مشافهة، مهما طالت الشقة بينهما، ويعتبر العاقدان كأنهما في مجلس واحد، إذ المعنى المفهوم من اتحاد المجلس أن يسمع أحدهما كلام الآخر ويتبينه وهذا حاصل في الكلام بالتلفون) (?) .
لكني أرى وجوب تثبت كل من العاقدين من شخصية صاحبه، وصحة ما تنسبه إليه الأدلة من أقوال أو أفعال، كي لا يدخل اللبس والتزييف من أحد الطرفين، أو من طرف ثالث (?) .